للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فشقوه فنزعوه وألقوه.


وعمر مثلها، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا قدم عليه وفد لبس أحسن ثيابه، وأمر أصحابه بذلك "فشقوه" بفتح الشين ماضٍ وضمها أمر، وإن لزم عليه إتلاف مال لوجوبه تخلصًا من الحرمة، على أنه يمكن أن المراد بالشق الإزالة لا القطع، فلا إتلاف "فنزعوه وألقوه".
زاد في رواية: ثم أجاز كل أحد بعشر أواق فضة، إلّا الأشعث فأجازه باثنتي عشرة أوقية، وزاد ابن إسحاق: وقالوا يا رسول الله, نحن بنو آكل المرار، وأنت ابن آكل المرار، فتبسَّم -صلى الله عليه وسلم، وقال: $"ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبد المطلب، وربيعة بن الحارث"، وكانا تاجرين، فإذا شاعا في العرب، فسئلا من هما قالا: نحن بنو آكل المرار, يتعززان بذلك، وذلك أن كندة كانوا ملوكًا، ثم قال -صلى الله عليه وسلم: $"لا نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفوا أمنا، ولا ننتفي من أبينا"، فقال الأشعث بن قيس الكندي، هل فرغتم يا معشر كندة، والله لا أسمع رجلًا يقولها إلّا ضربته ثمانين، ونقفوا -بنون مفتوحة فقاف ساكنة ففاء مضمومة، أي: لا نترك النسب إلى الآباء، وننتسب إلى الأمهات، وله -صلى الله عليه وسلم- جدة من كندة، وهي أم كلاب بن مرة، واسمها: دعد بنت سرير بن ثعلبة بن حارثة الكندي، وقيل: بل هي جدة كلاب أم أمّه هند.
قال السهيلي: ففيه أنهم أصابوا في بعض قولهم: نحن وأنت بنو آكل المرار، وهو الحارث بن عمرو الكندي، لُقِّبَ بذلك لأكله هو وأصحابه شجرًا يقال له المرار في غزوة غزاها، وقيل: لقب بذلك؛ لأن عمرو بن هند الغسَّاني أغار عليهم في غيبة الحارث فغنم وسبى، فكان في السبي امرأة الحارث، فقالت لعمرو: لكأنّي برجل أتاكم أسود، كأن مشافره مشافر بعير قد أكل المرار -تعني: زوجها، فتبعه الحارث في قومه، فقتله واستنفذ امرأته وما كان أصاب.
وروي أن المخاطب للنبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الأشعث بن قيس، ولا مانع أنه خاطبه، ثم خاطبوه، أو هو المخاطب، ونسب للكل في الرواية الأخرى لسكوتهم عليه؛ لأن الأشعث كان من ملوك كندة، وصاحب رباع حضرموت، وكان وجيهًا في قومه في الإسلام، وارتدَّ بعد النبي -صلى الله عليه وسلم، فأسر وأحضر إلى أبي بكر، فأسلم، فأطلقه وزوَّجه أخته أم فروة، فاخترط سيفه، ودخل إلى سوق الإبل، فجعل لا يرى جملًا، ولا ناقة إلا عرقبه، فصاح الناس: كفر الأشعث، فلمَّا فرغ طرح سيفه، وقال: والله ما كفرت، ولكن زوَّجني هذا الرجل أخته، ولو كنَّا في بلادنا كانت وليمة غير هذه، يا أهل المدينة كلوا، ويا أصحاب الإبل تعالوا خذوا أثمانها، ثم شهد اليرموك بالشام، ثم القادسية وحروب العراق مع سعد، وسكن الكوفة، وشهد صفين مع علي، ومات بعده بأربعين ليلة، وصلى عليه الحسن، وقيل: مات سنة ثنتين وأربعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>