للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان عرشه على الماء, وكتب في الذكر كل شيء".

وقوله: وجاء نفر من أهل اليمن، هم الأشعريون قوم أبي موسى.


متحدة، فاقتضى ذلك أن الرواية وقعت بالمعنى، لكن الأوّل أصرح في القِدَم، وفيه أنه لم يكن ماء، ولا عرش، ولا غيرهما؛ لأن كل ذلك غير الله، ويكون معنى قوله: "وكان عرشه على الماء" أنه خلق الماء، ثم العرش.
قال الطيبي: هو فصل مستقل؛ لأن القديم من لم يسبقه شيء، ولم يعارضه في الأزلية، فهو إشارة إلى أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم، لخلقهما قبل السموات والأرض، فلم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء، ويحتمل أنه مطلق، وكان عرشه على الماء، مقيد بقوله: "ولم يكن شيء غيره"، والمراد بكان في الأول الأزلية، وفي الثاني الحدوث بعد العدم.
وقد روى أحمد، والترمذي وصحَّحه مرفوعًا؛ أنَّ الماء خلق قبل العرش، ووقع في بعض الكتب: كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان، وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث، نبه على ذلك العلامة تقي الدين بن تيمية، وهو مسلم في قوله: "وهو الآن".. إلخ، وأما لفظ: ولا شيء معه، فرواية الباب بلفظ: "ولا شيء غيره" بمعناها.
وفي حديث نافع الحميري: "كان الله لا شيء غيره" بغير واو، "وكتب" قدر "في الذكر،" أي: محله، وهو اللوح المحفوظ "كل شيء" من الكائنات، وبقية الحديث: وخلق السموات والأرض، بالواو في بدء الخلق، وبثمّ في التوحيد، وفي الحديث جواز السؤال عن مبدأ الأشياء، والبحث عن ذلك، وجواب العالم بما يستحضره، والكفّ إن خشي على السائل مفسدة، وفيه: أن جنس الزمان ونوعه حادث، وأن الله تعالى أوجد هذه المخلوقات بعد أن لم تكن، لا عن عجز عن ذلك، بل مع القدرة، واستنبط بعضهم من سؤال الأشعريين عن هذه القصة أن الكلام في أصول الدين، وحدوث العالم مستمر لذريتهم، حتى ظهر ذلك في أبي الحسن الأشعري منهم, أشار إليه ابن عساكر, "وقوله: وجاء نفر من أهل اليمن، هم الأشعريون قوم أبي موسى" ولذلك لم يظهر لي أن المراد بأهل اليمن أهل حمير، لكنَّ لما كان زمان قدوم الطائفتين مختلفًا، ولكل منهما قصة غير قصة الأخرى، وقع العطف, انتهى كله ملخصًا من فتح الباري.
قال: وقد روى البزار عن ابن عباس: بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة؛ إذ قال: "الله أكر إذا جاء نصر الله والفتح، وجاء أهل اليمن نقية قلوبهم، حسنة طاعتهم، الإيمان يمان، والفقه يمان, والحكمة يمانية".
وروى الطبراني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعيينة بن حصن: "أي الرجال خير"؟ قال: "أهل نجدة"،
قال: "كذبت، بل هم أهل اليمن الإيمان يمان ... الحديث"، انتهى، وقد أطلت، وما تركته أطول، وإن كان من النفائس خشية الملل.

<<  <  ج: ص:  >  >>