للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحاصروهم فيها قريبًا من شهر، وامتنعوا فيها، فرجع عنهم قافلًا، حتى إذا كان في جبل لهم, وظنّوا أنه إنما ولَّى عنهم منهزمًا, خرجوا في طلبه، حتى أدركوه, عطف عليهم فقتلهم قتلًا شديدًا.

وكان أهل جرش بعثوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلين منهم، فبينما هما عنده -عليه الصلاة والسلام- عشية, فقال لهما -عليه الصلاة والسلام: "إن بدن الله لتنحر عند شكر"، أي: المكان الذي وقع به قتل قومهم"، قال:


ليست من اليمن، لكن الرواية: وبها قبائل من قبائل اليمن، وقد ضوت، أي: أوت إليهم خثعم، فأفاد أن القبائل التي بجرش إنما هي من اليمن، والزائد عليهم قبيلة واحدة من غيرهم هي خثعم، "فحاصروهم فيها قريبًا من شهر، وامتنعوا فيها" لكونها مدينة، "فرجع عنهم" أي: انصرف عن حصارهم "قافلًا" راجعًا إلى أرضه، فأتى به مع أن القفول الرجوع, دفعًا لإيهام أنه انصرف لقتال غيرهم, أو مكان آخر يقيم به مدة "حتى إذا كان في جبل لهم" وهو شكر، كما يأتي، "وظنّوا أنه إنما ولَّى عنهم منهزمًا، خرجوا في طلبه حتى أدركوه، عطف" رجع "عليهم، فقتلهم قتلًا شديدًا" باعتبار صفته التي وقع عليها، أو كثرته فيهم بقتل غالبهم، فلا يرد أن القتل إزهاق الروح، فلا تفاوت فيه، فهو نحو قولهم: الموت الأحمر إذا كان على حالة رديئة، "وكان أهل جرش بعثوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلين منهم" يرتادان، أي: يطلبان الأخبار وينظران، "فبينما هما عنده -عليه الصلاة والسلام- عشية" بعد العصر، إذ قال -صلى الله عليه وسلم: "بأي بلاد الله شكر"، فقام الجرشيان، فقالا: يا رسول الله ببلادنا جبل، يقال له كشر، وكذلك تسميه أهل جرش، "فقال لهما -عليه الصلاة والسلام: "إنه ليس بكشر، ولكنه شكر"، قالا: فما شأنه يا رسول الله؟ قال: "إن بدن الله" بضمتين وتسكين الدال للتخفيف، كما في المصباح "لتنحر عند شكر" بفتح الشين المعجمة، وإسكان الكاف وبالراء، جبل من جبال جرش، كما اعتمده البرهان، وهو مقتضى القاموس؛ لأنه قال: الشكر الحر، أي: الفرج ولحمها، ويكسر فيهما, وجبل باليمن، وقاعدته إذا أطلق فتح الأول، يكون الثاني ساكنًا، فإن كان مفتوحًا قيده بقوله محرك، وهو صريح المصباح، ففيه شكر كفلس الحر، وضبط في العيون بالقلم -بفتح الكاف، ووهَّنَه النور، "أي: المكان الذي وقع به قتل قومهم" فإطلاق البدن عليهم استعارة، أو تشبيه بليغ، وأصله: إن قومكم الذين هم كالبدن في عدم الإدراك؛ حيث لم يؤمنوا، وحاربوا المسلمين، وإضافتهم إلى الله إشارة إلى تحقيق الاستعارة؛ حيث جعلوا كالبدن التي تنحر تقربًا, أو إشارة إلى أنهم مخلوقون لله، مغمورون بأنعامه، فأضافهم إليه توبيخًا لهم على عدم الإيمان، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] الآية، فمحاربتهم كأنها إنكار، وجحد للنعمة، "قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>