للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم لحقنا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيبر, فأسهم لنا مع المسلمين.

وهذا يدل على تقدُّم إسلامه، وقد جزم ابن أبي حاتم بأنه قدم مع أبي هريرة بخيبر، وكأنها قدمته الثانية.


"فنزلت المدينة بسبعين، أو ثمانين بيتًا من دَوْس" أي: جماعة يجمعهم نسب واحد، فلا ينافي أنهم أربعمائة، "ثم لحقنا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيبر", وللطبراني بسند ضعيف أنهم أربعمائة، فلمَّا رآهم النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مرحبًا بأحسن الناس وجوهًا، وأطيبهم أفواهًا" أي: كلامًا، "وأعظمهم أمانة".
وروى البخاري في التاريخ وابن خزيمة والطحاوي والبيهقي، وعن أبي هريرة: قدمنا المدينة، ونحن ثمانون بيتًا من دَوْس، فصلينا الصبح خلف سباع بن عرفطة الغفاري، فقرأ في الركعة الأولى بسورة مريم، وفي الأخيرة بويل للمطففين، فلمّا قرأ: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: ٢] ، قلت: تركت عمي له مكيالان: إذا اكتال اكتال بالأوفى، وإذا كال كال بالناقص، فلمَّا فرغنا من صلاتنا قال قائل: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيبر، وهو قادم عليكم، فقلت: لا أسمع به في مكان أبدًا إلا جئته، فزودنا سباع، وجئنا خيبر، فنجده قد فتح النطاة، وهو محاصر الكتيبة، فأقمنا حتى فتح الله علينا، "فأسهم لنا مع المسلمين".
وفي رواية من حديث أبي هريرة: قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وقد فتح خيبر، فكلم المسلمين، فأشركنا في سهمانهم، "وهذا" المذكور من حديث الطفيل، "يدل على تقدُّم إسلامه" بمكة قبل الهجرة دلالة صريحة، "وقد جزم ابن أبي حاتم، بأنه قدم مع أبي هريرة بخيبر، وكأنها" كما قال الحافظ "قدمته الثانية" مع الوفد، فلا يخالف صريح حديثه، والمراد بالثانية: باعتبار مكة والمدينة، فلا ينافي أنه قدم مكة مرتين، فتكون ثالثة، وقد قدم جميع الوفد مسلمين، بدليل صلاة الصبح خلف سباع، والإسهام لهم؛ إذ لو لم يسلموا ما أسهم لهم، وقد رجع شيخنا ضمير إسلامه للوفد، والإشارة بهذا للإسهام، وهو واضح في نفسه، لكنه ليس مراد المصنف، وإنما مراده كالحافظ: الاستدلال على خلاف ما جزم به ابن أبي حاتم، كما أفصح بذلك في الفتح والإصابة، وبقية حديث الطفيل عن ابن إسحاق: ثم لم يزل معه -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا فتح الله عليه مكة، قلت: يا رسول الله, ابعثني إلى صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه، فبعثه فأحرقه وهدمه، ثم رجع، فأوقد النار عليه، وهو يقول:
يا ذا الكفين لست من عبادكا ... ميلادنا أقدم من ميلادكا
إني حشوت النار في فؤادكا
ثم رجع، فكان مع المصطفى حتى قبض، فلمَّا ارتدت العرب، خرج مع المسلمين حتى فرغوا من طليحة ومن أرض نجد كلها، ثم سار إلى اليمامة، ومعه ابنه عمرو، فرأى رؤيا وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>