للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستوفوا، فأكلنا حتى شبعنا، واكتلنا واستوفينا، ثم دخلنا المدينة، فلمَّا دخلنا المسجد إذا هو قائم على المنبر يخطب الناس, فأدركنا من خطبته وهو يقول: "تصدقوا فإن الصدقة خير لكم، اليد العليا خير من اليد السفلى".


واكتلنا واستوفينا" كما أمرهم، "ثم دخلنا المدينة" من الغد، كما في رواية الحاكم، "فلمَّا دخلنا المسجد، إذا هو قائم على المنبر يخطب الناس" يحتمل أن ذلك وافق يوم جمعة، وأنه عرض له أمر اقتضى الوعظ، فصعد المنبر للوعظ عليه، "فأدركنا من" أي: بعض "خطبته، وهو يقول" جملة حالية، أي: والحال أنه يقول فيما أدركناه فيه: "تصدقوا، فإن الصدقة خير لكم"؛ لأنها بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء، ولأن فيها المواساة والسماحة، ومخالفة النفس المطبوعة على حب المال، وقال -صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش، وتخشى الفقر".
وفي التنزيل: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} ، أي: المال، أو الله، "اليد العليا" وهي المنفقة، "خير من اليد السفلى" الآخذة، وقيل: العليا هي المنفقة، وقيل: السائلة، لكن ورد في رواية اليد العليا المنفقة من النفقة في رواية الأكثرين.
قال القرطبي: فهذا نص يرفع الخلاف في التفسير، قال: ورواه بعضهم: المتعففة -بعين وفاءين، وقيل: إنه تصحيف.
قال الحافظ: ومحصّل ما في الآثار؛ أنَّ أعلى الأيدي المنفقة، ثم المتعفِّفة عن الأخذ، ثم الآخذة بغير سؤال، وأسفل الأيدي السائلة والمانعة، وبقية الحديث عند مخرجه: "وابدأ بمن تعول" أمك وأباك، وأختك وأخاك، وادنَّاك أدناك، وثم رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله, هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع، قتلوا فلانًا في الجاهلية، فخذ لنا بثأرنا، فرفع -صلى الله عليه وسلم- يده حتى رأيت بياض إبطيه، فقال: "لا تجني أم على ولد"، أخرجه الحاكم بطوله، وقال: صحيح الإسناد، وأخرجه النسائي وابن ماجه متختصرًا عن طارق؛ أن رجلًا، قال: يا رسول الله, هؤلاء بنو ثعلبة، الذين قتلوا فلانًا في الجاهلية، فخذ لنا بثأرنا، فرفع يده حتى رأيت بياض إبطيه، وهو يقول: "لا تجني أم على ولد مرتين".

<<  <  ج: ص:  >  >>