للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا، ومعنا جمل أحمر مخطوم، فقال: "أتبيعون جملكم هذا"؟ قالوا: نعم, بكذا وكذا صاعًا من تمر، فأخذ بخطام الجمل فانطلق، فلمَّا توارى عنَّا بحيطان المدينة ونخلها قلنا: ما صنعنا، والله ما بعنا جملنا ممن نعرف, ولا أخذنا له ثمنًا. قال: تقول المرأة التي معنا: والله لقد رأيت رجلًا كأنَّ وجهه قطعة القمر ليلة البدر، أنا ضامنة لثمن جملكم, وفي رواية ابن إسحاق: قالت الظعينة: فلا تلاوموا، لقد رأيت وجه رجل لا يغدر بكم، ما رأيت شيئًا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه؛ إذ أقبل رجل فقال: أنا رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليكم، هذا تمركم, فكلوا واشبعوا واكتالوا


ظعينة لنا" امرأة في هودج سُمِّيَت بذلك، ولو كانت في بيتها؛ لأنها تصبر مظعونة، أي: يظعن بها زوجها، "ومعنا جمل أحمر مخطوم، فقال: "أتبيعوني جملكم هذا"؟ قالوا: نعم, بكذا وكذا صاعًا من تمر، فأخذ بخطام" بكسر الخاء- مفرده خطم، مثل كتاب وكتب، أي: ما يقاد به "الجمل، فانطلق" به، "فلما توارى عنا بحيطان المدينة ونخلها، قلنا: ما صنعنا" استفهام توبيخ لأنفسهم على تسليمهم الجمل لمن لا يعرفونه من غير قبض ثمنه، ويدل علي قول الظينة: فلا تلاوموا؛ لأن ضابط التوبيخي أن يكون ما بعد أداته واقعًا, وفاعله ملوم، أي: فعلنا ما لا ينبغي فعله، "والله ما بعنا جملنا ممن نعرف، ولا أخذنا له ثمنًا" فعرضناه للضياع، "قال" طارق: "تقول المرأة التي معنا" حين قلنا ذلك، وعَبَّر بالمضارع حكاية للحال الماضية: "والله لقد رأيت رجلًا كأنَّ وجهه قطعة القمر" وفي لفظ: شقة، فكان أحدهما بالمعنى، وهي بكسر الشين- القطعة "ليلة البدر", زائدة في البهاء ليلة أربعة عشر، وهو أحسن ما يكون القمر، وشبه به دون الشمس؛ لأن نوره أنفع من نورها، ولعلّ التقييد بالقطعة، مع أن البلغاء يشبهون الوجه بالقمر بلا تقييد أنه كان حينئذ متلثمًا، أو احترازًا عن السواد الذي في القمر، ويأتي بسط ذلك إن شاء الله تعالى في الصفة النبوية، وحسن الوجه دليل على الخير، فضلًا عن الأذى، كما قال -صلى الله عليه وسلم: "اطلبوا الخير عند حسان الوجوه"، ولذا قالت: "أنا ضامنة لثمن جملكم" أن يأتيكم من هذا الحسن الوجه الذي اشتراه.
"وفي رواية ابن إسحاق" عن طارق السيرة، رواية يونس عن ابن إسحاق، "قالت الظعينة: فلا تلاوموا" أي: لا يلم بعضكم بعضًا، "لقد رأيت وجه رجل لا يغدر" بكسر الدال "بكم، ما رأيت شيئًا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه" ومَنْ هذه صفته لا يغدر؛ "إذ أقبل" رجل, جواب لمحذوف، أي: فبينا نحن نتكلم إذ أقبل "رجل" وفي رواية الحاكم: فما كان العشي أتانا رجل، "فقال: أنا رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليكم، هذا تمركم" الذي بعتم به جملكم، وفيه تسمّح، فمقتضى السياق أنه أكثر مما جعلوه ثمنًا، فالمراد هذا تمر بعث به إليكم لتستوفوا منه، "فكلوا واشبعوا" لا مجرد أكل، "واكتالوا واستوفوا", فلا تتساهلوا في نظير أكلكم، "فأكلنا حتى شبعنا،

<<  <  ج: ص:  >  >>