للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة والسلام- كفه فيه, فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه عينًا تفور.


فصببته في قعب" بفتح القاف، وإسكان المهملة وموحدة- القدح الضخم الحافي، أو إلى الصغر، أو يروى الرجل، قال: وجعل أصحابه يتلاحقون، "ثم وضع -عليه الصلاة والسلام- كفه، فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه" أي: بين كل إصبعين من أصابعه، كما هو لفظه "عينًا تفور", وقد اختلف هل نبع الماء من نفس الأصابع وهو الصحيح، أومن بينها، لا من نفسها, قولان، ولا ينافيها قوله بين كل إصبعين من أصابعه، لاحتمال أن العَيْن ناشئة من الماء، خارجة من بين الأصابع، وأنها من ذات بدنه الشريف، ولذا جاء القولان، وبعضهم يقول في حكايتهما: هل هو إيجاد معدوم، أو تكثير موجود، بمعنى: أنه بورك في الماء فزاد من غير ضم ماء آخر إليه بخلاف الأول، فنبع من بين الأصابع ماء انضمَّ إلى ما في القعب، فتغايَر القولان، وبسط ذلك يأتي إن شاء الله تعالى في المعجزت، ثم قال -صلى الله عليه وسلم: "إن أخا صداء أذَّن، ومن أذَّن فهو يقيم"، فأقمت، ثم صلى بنا، فلمَّا سلَّم، وكنت سألته قبل ذلك أن يؤمرني على قومي، وأن يأمر لي بشيء من صدقاتهم، فكتب لي كتابين بذلك، قام رجل يشتكي عامله، فقال: أخذنا بظلامات كانت بيننا وبينه في الجاهلية.
وفي رواية: أخذنا بكل شيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية، فقال -صلى الله عليه وسلم: "أو فعل ذلك"؟ قالوا: نعم، فالتفت إلى أصحابه، وأنا منهم، فقال: "لا خير في الإمارة لرجل مؤمن".
وفي لفظ مسلم: فدخل قوله في قلبي، ثم قام آخر، فقال رسول الله: "أعطني"، فقال: "من يسأل الناس عن غني، فصداع في الرأس، وداء في البطن"، قال: "فأعطني من الصدقة"، قال: "إن الله عز وجل لم يرض بحكم نبي، ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها، فجزأها بثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك، وإن كنت غنيًّا عنها، فإنما هي صداع في الرأس، وداء في البطن".
وفي رواية: "إن الله لم يكل قسمها إلى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، حتى جزَّأها على ثمانية أجزاء" والباقي سواء.
قال زياد: فدخل في نفسي أني سألته الصدقة وأنا غني، فقلت: يا رسول الله, هذان كتاباك فاقبلهما، ثم قال: "دُلَّني على رجل من قومك أستعمله"، فدللته فاستعمله، قلت: يا رسول الله, إن لنا بئرًا إذا كان الشتاء كفانا ماؤها، وإذا كان الصيف قلَّ علينا، فتفرقنا على المياه، والإسلام اليوم فينا قليل، ونحن نخاف, فادع الله لنا في بئرنا، فقال: " ناولني سبع حصيات"، فناولته فعركَهُنَّ بيده، ثم دفعهنَّ إليَّ، وقال: "إذا انتهيت إليها، فألق فيها حصاة حصاة، وسمّ الله"، ففعلت، فما أدركنا لها قعرًا حتى الساعة، ولعلَّ حكمة ذلك دون إلقاء الجميع، دفعة إرشاد العباد إلى أنهم إذا حاولوا أمرًا، أخذوا في أسبابه بالتدريج شيئًا فشيئًا، وإن أمكنهم حصولها دفعة، وأسر علمه -عليه الصلاة والسلام، ككون الحصيات سبعًا، ولعلّه ليس المراد خصوص الصداع ووجع البطن، بل ما يشمله ويشمل كل ضرر عاجل أو آجل، وحمله على ظاهره أَوْلَى، فلا دخل للعقل في ذلك، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>