وفي رواية: أخذنا بكل شيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية، فقال -صلى الله عليه وسلم: "أو فعل ذلك"؟ قالوا: نعم، فالتفت إلى أصحابه، وأنا منهم، فقال: "لا خير في الإمارة لرجل مؤمن". وفي لفظ مسلم: فدخل قوله في قلبي، ثم قام آخر، فقال رسول الله: "أعطني"، فقال: "من يسأل الناس عن غني، فصداع في الرأس، وداء في البطن"، قال: "فأعطني من الصدقة"، قال: "إن الله عز وجل لم يرض بحكم نبي، ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها، فجزأها بثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك، وإن كنت غنيًّا عنها، فإنما هي صداع في الرأس، وداء في البطن". وفي رواية: "إن الله لم يكل قسمها إلى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، حتى جزَّأها على ثمانية أجزاء" والباقي سواء. قال زياد: فدخل في نفسي أني سألته الصدقة وأنا غني، فقلت: يا رسول الله, هذان كتاباك فاقبلهما، ثم قال: "دُلَّني على رجل من قومك أستعمله"، فدللته فاستعمله، قلت: يا رسول الله, إن لنا بئرًا إذا كان الشتاء كفانا ماؤها، وإذا كان الصيف قلَّ علينا، فتفرقنا على المياه، والإسلام اليوم فينا قليل، ونحن نخاف, فادع الله لنا في بئرنا، فقال: " ناولني سبع حصيات"، فناولته فعركَهُنَّ بيده، ثم دفعهنَّ إليَّ، وقال: "إذا انتهيت إليها، فألق فيها حصاة حصاة، وسمّ الله"، ففعلت، فما أدركنا لها قعرًا حتى الساعة، ولعلَّ حكمة ذلك دون إلقاء الجميع، دفعة إرشاد العباد إلى أنهم إذا حاولوا أمرًا، أخذوا في أسبابه بالتدريج شيئًا فشيئًا، وإن أمكنهم حصولها دفعة، وأسر علمه -عليه الصلاة والسلام، ككون الحصيات سبعًا، ولعلّه ليس المراد خصوص الصداع ووجع البطن، بل ما يشمله ويشمل كل ضرر عاجل أو آجل، وحمله على ظاهره أَوْلَى، فلا دخل للعقل في ذلك، والله أعلم.