للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه غدًا زائلون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون، وارغبوا فيما عليه تقدمون، وفيه تخلدون".

فانصرفوا وقد حفظوا وصيته -عليه الصلاة والسلام- وعملوا بها.


ومكملاته، فإن كنتم كذلك، فتخلَّقوا بهذه الخمس أيضًا، فإنه أدلُّ على حسنكم، وكمال إيمانكم بما اتصفتم به، وهذا أَوْلَى من جعل أن بمعنى إذ، وليس الشرط متعلقًا بما قبله، بل جوابه، "فلا تجمعوا"، ولذا اقترن بالفاء ولا ناهية فيه، وفي الأربع بعده، ولذا حذف النون.
وفي نسخة: إثبات النون في الخمس على أنها أخبار بمعنى النهي، وهو أبلغ في المعنى من النهي الصريح؛ لأنه صورة خبر، كأنهم متصفون بذلك، "ولا تبنوا ما لا تسكنون" فلا تزيدوا على الحاجة، فإن سكناكم في البناء لا يدوم لمفارقتكم له، وانتقاله لمن يسكنه بعدكم، فاللائق الاقتصار على قدر الضرورة، "ولا تنافسوا" أي: لا تتزاحموا، وتتغالبوا، وترغبوا "في" حصول "شيء أنتم عنه غدًا زائلون" مرتحلون وتاركوه، "واتقوا الله" احذروا عذابه بفعل الطاعات واجتناب المعاصي، "الذي إليه ترجعون" تصيرون، فيجازيكم على أعمالكم حسنة أو ضدها، فتقواه تدفع عذابه عنكم، "وعليه تعرضون" والتاء أصلها الواو، فأبدلت منها ولزمت، فصارت كالأصلية.
قال البيضاوي: الوقاية فرط الصيانة، والمتقي في عرف الشرع اسم لمن يقي نفسه عمَّا يضره في الآخرة، وله ثلاث مراتب:
الأولى: التوقي من العذاب المخلّد، بالتبري عن الشرك وعليه قوله: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى} .
والثانية: التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر عند قوم، وهو المتعارف باسم التقوى في الشرع، والمعنى بقوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} .
والثالثة: أن يتنزه عمَّا يشغل سره عن الحق، ويتبتل إليه بشراشره، وهو التقوى الحقيقية المطلوب بقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} ، انتهى.
"وارغبوا فيما عليه تقدمون، وفيه تخلدون" وهو الجنة، فإنها التي يخلد فيها المؤمنون، والرغبة فيها بالمسارعة والمسابقة إلى الأعمال الصالحة وترك المعاصي، وفي الصحيحين: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات"، "فانصرفوا وقد حفظوا وصيته -عليه الصلاة والسلام وعملوا بها" توفيقًا من الله لهم ببركته -صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>