للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال رجل منهم، يقال له: زرارة بن عمرو، يا رسول الله, إني رأيت في سفري هذا عجبًا، قال: "وما رأيت"؟ قال: رأيت أتانًا تركتها كأنها ولدت جديًا أسفع أحوى، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "هل تركت لك مصرة"؟ قال: نعم، قال: "فإنها قد ولدت غلامًا وهو ابنك"، فقال يا رسول الله: ما باله أسفع أحوى؟


ألا يا رسول الله أنت مصدق ... فبوركت مهديًّا وبوركت هاديًا
شرعت لنا دين الحنيفة بعدما ... عبدنا كأمثال الحمير طواغيا
وعند أبي نعيم، عن الحارث: قدمنا من اليمن، فنزلنا المدينة، فخرج علينا عمر، فطاف في النخع، فتصفحهم، وهم ألفان وخمسمائة، وعليهم أرطأة، فقال عمر: سيروا إلى العراق، قالوا: بل نسير إلى الشام، قال: سيروا إلى العراق, فسرنا فأتينا القادسية، فقُتِلَ منَّا كثير، ومن سائر الناس قليل، فسُئِلَ عمر عن ذلك، فقال: إن النخع ولّوا أعظم الأمر وحدهم. ذكره في الإصابة في موضعين.
وعن ابن مسعود: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو لهذا الحي من النخع، أو قال: يثني عليهم، حتى تمنَّيت أني رجل منهم، "فقال رجل منهم يقال له: زرارة بن عمرو" بضم الزاي، وأبوه -بفتح العين، وسماه ابن الكلبي، وتبعه ابن شاهين: زرارة بن قيس بن الحارث بن عدي.
قال أبو حاتم: قدم نصف المحرم سنة إحدى عشرة، وقال أبو عمر: بل كان قدومه في نصف رجب، سنة تسع، وبالأوّل جزم ابن سعد عن الواقدي، كذا في الإصابة، وتقدَّم جمع البرهان باحتمال قدومه أولًا وحده في التاريخ الأول، ثم مع قومه في هذا التاريخ, "يا رسول الله, إن رأيت في سفري هذا عجبًا"، وفي رواية المدائني: رأيت في طريقي رؤيا هالتني، "قال: "وما رأيت"؟ قال: رأيت أتانًا" بفتح الهمزة، وفوقية- حمارة أنثى، ولا يقال أتانة، قاله ابن السكيت، وجمع القلة آتن، كعناق، وأعنق، والكثرة أتن -بضمتين.
روى البيهقي عن أبي هريرة، رفعه: "من لبس الصوف، وحلب الشاة، وركب الأتن، فليس في جوفه من الكبر شيء" "تركتها" في الحي، كما في رواية، وللمدائني: خلَّفتها في أهلي, "كأنها ولدت جديًا"، هو الذي من أولاد المعز، "أسفع" بزنة أحمر، أسود مشرب بحمرة، "أحوى" كالتأكيد لما قبله؛ إذ الحوة -بالضم- سواد إلى خضرة، أو حمرة إلى سواد، كما في القاموس، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "هل تركت لك مصرة"، اسم فاعل من أصر على الشيء، أقام عليه، والمراد حملها محقق ثابت.
وفي العيون والمدائني: أمة، وفي السبل: امرأة، فلعل المصنف ترك الموصوف للخلاف فيه، كذا قيل، وإنما يتحقق الخلاف لو قيل: زوجة، فيرد لفظ امرأة إلى أمة، فلا خلاف.
"قال: نعم، قال: "فإنها قد ولدت غلامًا، وهو ابنك"، دفع به ما قد يدخل عليه من الريبة؛ إذ رأى اللون الغريب، "فقال: يا رسول الله, ما باله أسفع أحوى"، أي: ما الحال الداعي إلى مجيئه

<<  <  ج: ص:  >  >>