للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "ادن مني"، فدنا منه، قال: "هل بك من برص تكتمه"؟ قال: والذي بعثك بالحق نبيًّا ما علم به أحد، ولا اطَّلع عليه غيرك، قال: "فهو ذلك".

قال: يا رسول الله، ورأيت النعمان بن المنذر وعليه قرطان مدلجيان ومسكتان. قال: "ذلك ملك العرب رجع إلى أحسن زيه وبهجته".

قال: يا رسول الله، ورأيت عجوزًا شمطاء، خرجت من الأرض. قال: "تلك بقية الدنيا".


بهذا اللون المخالف للون أبيه؟ "قال: "ادن مني"، قصدته ستره لعلمه -صلى الله عليه وسلم- أنه يخفيه، "فدنا منه، قال: "هل بك برص تكتمه" " استفهام تقريري، أريد به طلب اعترافه به، ليرتِّب عليه الجواب، فيكون ألزم للحجة، "قال: والذي بعثك بالحق نبيًّا، ما علم به أحد، ولا اطَّلَع عليه غيرك"، فكأنه قال: نعم هو بي، ولكن والذي.. إلخ، فهو معجزة، "قال: "فهو ذلك"، أي: اللون الذي في ولدك أثر ما فيك من البرص، وهذا من المعجزات، "قال: يا رسول الله, ورأيت النعمان بن المنذر وعليه قرطان" بالضم, تثنية قرط، وهو ما يعلق في شحمتي الأذن، والجمع أقراط "مدلجيان" كذا في النسخ، والمدلج: الذي يسير اليل كله، ولا معنى له هنا، والذي في العيون والإصابة وغيرهما, كالمصنف نفسه في الرؤيا: ودملجان -بضم اللام وفتحه: شيء يشبه السوار، "ومسكتان" بفتح الميم والسين المهملة: سواران من ذهب، قاله المصنف في التعبير، والذي قاله ابن سيده، والجوهري: المسك -بفتحتين: أسورة من ذبل أو عاج، والذبل -بمعجمة، وموحدة ساكنة: شيء كالعاج، وقيل: ظهر السلحلفاة البحرية، فالمعنى على هذا: سواران من ذبل، وفي الجامع لابن الأثير: المسكة -بالتحريك: أسورة من ذبل، أو عاج، فإذا كانت من غير ذلك أضيفت إلى ما هي منه، فيقال: من ذهب، أو فضة، أو غيرهما.
"قال: "ذلك ملك" بضم الميم، وإسكان اللام "العرب رجع إلى أحسن زيه" بكسر الزاي وشد الياء. وهيئته "وبهجته" حسنه؛ لأن النعمان كان ملكًا على العرب، فالمعنى: عادت العرب إلى ما كانوا عليه من العزِّ والشرف، وذهبت غلبة الفرس والعجم بظهور المصطفى.
قال المصنف في الرؤيا: تعبيره السوارين هنا يرجع إلى بشرى، وعبرهما بالكذابين فيما مَرَّ، والجواب أن النعمان كان ملكًا على العرب من جهة الأكاسرة، وكانوا يسورون الملوك ويحلونهم، فالسواران من زيهم ليسا بمنكرين في حقه، ولا بموضوعين في غير موضعهما عرفًا، وأما النبي -صلى الله عليه وسلم، فنهى عن لباس الذهب لآحاد أمته، فجدير أن يهمه ذلك؛ لأنه ليس من زيه، واستدلَّ به على أنه أمر يوضع في غير موضعه، ولكن حمدت العاقبة بذهابه، "قال: يا رسول الله, ورأيت عجوزًا شمطاء" بزنة حمراء، أي: أبيض شعر رأسها، "خرجت من الأرض، قال: "تلك بقية الدنيا"، فلم يبق منها

<<  <  ج: ص:  >  >>