للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولله در القائل:

لم لا يضيء بك الوجود وليلة ... فيه صباح من جمالك مسفر

فبشمس حسنك كل يوم مشرق ... وببدر وجهك كل ليل مقمر

وفي البخاري: سئل البراء: أكان وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل السيف؟ فقال: لا، بل مثل القمر.

وكأنَّ السائل أراد مثل السيف في الطول، فردَّ عليه البراء فقال: بل مثل القمر، أي في التدوير، ويحتمل أن يكون أراد مثل السيف في اللمعان والصقالة،


الشمس في فلكها أمر ظاهر، وجريان الحسن في الوجه الوجيه، وإن كان أعظم، إلّا أن التشبيه به ليس متعارفًا, فجعله مشبهًا به مبالغة في التشبيه، كما يقال الأصل: زيد كأسد، وأبلغ منه: زيدًا أسد، وأبلغ منه: الأسد كزيد، فلا وجه لما قيل، لعلَّ العبارة من تناسى -بسين لا هاء، لأنَّ تناسي التشبيه استعارة، نحو: رأيت أسدًا، وما هنا ليس استعارة لجمعه بين طرفي المشبه، وبعبارة أخرى: شبَّه وجهه بالشمس في الإشراق، ثم عكس التشبيه ليكون أبلغ، فقال: كأنَّ الشمس وجهه، ثم زاد في المبالغة على طريق التجريد، فانتزع منها شمسًا، جعلها في وجهه، كقوله لهم: فيها دار الخلد، وأقحم، تجري على أنه حال، وأصله: كأنه الشمس، ثم كأنَّ الشمس وجهه، ثم كأن الشمس في وجهه، وإنما قيدها بكونها جارية، لأنَّ المراد: ظاهرة أو سائرة على وجه الأرض، أو لأنَّ تلألؤ النور في وجهه كتحركها، وهو أقوى في التشبيه، "ولله در القائل".
"لم لا يضيء بك الوجود" استفهام تعجبي أو نكاري، على من منع الإضاءة به، "وليلة فيه صباح من جمالك"، أي: لا مانع لا يضيء بك، والحال أنَّ ليله فيه نور أعظم من نور المصباح، ووصفه بقوله "مسفر"، إشارة إلى أنه ليس المراد مجرده، فإن الصباح كالصبح: الفجر, ونوره قليل، فدفع ذلك بالوصف "فبشمس حسنك كل يوم مشرق" تعليل، "وببدر وجهك" من إضافة الصفة للموصوف، أي: بوجهك الذي هو كالبدر، "كل ليل مقمر" شديد البياض.
"وفي البخاري" عن أبي إسحاق، قال: "سئل البراء" بن عازب، "أكان وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل السيف، فقال: لا، بل مثل القمر".
قال في فتح الباري: "وكأنَّ السائل أراد مثل السيف في الطول، فردَّ عليه البراء" ردًّا بليغًا، "فقال: مثل القمر، أي: في التدوير"، فهو ردٌّ لما توهمه السائل، وإثبات لخلافه.
قال السيوطي: زاد مسلم مستديرًا، وهو يؤيد أن السائل أراد هذا الاحتمال، "ويحتمل أن يكون" السائل "أراد مثل السيف في اللمعان والصقالة" بكسر الصاد: الجلاء -بجيم، فهو عطف

<<  <  ج: ص:  >  >>