للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أبي هريرة: ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم, كأنَّ الشمس تجري في وجهه. رواه الترمذي والبيهقي وأحمد وابن حبان.

قال الطيبي: شبَّه جريان الشمس في فلكها بجريان الحسن في وجهه -صلى الله عليه وسلم. قال: ويحتمل أن يكون من تناهي التشبيه جعل وجهه مقرًّا ومكانًا للشمس


وفي حديث أنس وغيره: إنه كان ربعة، لكنه إلى الطول أقرب، كما في رواية البيهقي، ثم الجمع بين النفيين، لتوجّه الأول إلى الوصف، أي: ليس طوله مفرطًا، ففيه إثبات الطول، فاحتيج للثاني، ثم الوصفان صفة ذاتية له، فلا ينافي أنه كان إذا ماشى الطويل زاد عليه، لأنه معجزة.
روى ابن أبي خيثمة عن عائشة: لم يكن أحد يماشيه من الناس، ينسب إلى الطول إلا طاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وربما اكتنفه الرجلان الطويلان، فيطولهما، فإذا فارقاه نسبا إلى الطويل، ونسب -صلى الله عليه وسلم- إلى الربعة.
"وعن أبي هريرة: ما رأيت شيئًا" بصرية فما بعده صفة لشيئًا أو علمية وهو أبلغ، فقوله: "أحسن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم" مفعول ثان، يعني: ولا مثله، كما هو مدلول العبارة عرفًا، "كأن الشمس تجري في وجهه. رواه الترمذي، والبيهقي، وأحمد، وابن حبان"، وابن سعد.
"قال الطيبي: شبَّه جريان الشمس" حركتها "في فلكها"، كما قال تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: ٣٨] ، "بجريان الحُسْنِ في وجهه -صلى الله عليه وسلم"، وفيه عكس التشبيه للمبالغة، هذا أسقطه من كلام الطيبي، فهو من باب التشبيه المصطَلَح عليه، وهو تشبيه حالة بحالة، وهو أن شدة النور وسريانه في وجه الناظر إليه، منَزَّل منزلة الشمس التي ظهر نورها في وجهه، فشبَّه ظهور النور في وجهه بظهور الشمس في وجهه، لكنَّه عكس التشبيه، فجعل نور الشمس هو المشبّه، وجعل وجهه مقرًّا لظهور نورها، وليس استعارة تبعية على معنى: إن جريان الشمس في فلكها كجريان الحسن في وجهه، أي: شدة البريق واللمعان فيه، وعدم انحصاره في بعضٍ منه دون باقيه، يشبِّه نور الشمس في فلكها، لفقد ضابطها، وهو تشبيه مصدر بمصدر، ثم يستعار اسم المصدر المشبَّه به إلى المشبَّه، كما يستعار قتل للضرب الشديد، وهنا لفظ يجري، متحد في المشبه والمشبه به؛ لأن مفهوم الجريان واحد، إلا أن ينزل تغايرهما بالاعتبار منزلة تغايرهما بالذات، فتصح الاستعارة؛ لأن جريان الشمس في فلكها حقيقي، وجريان الحسن في وجهه مجازي.
"قال" الطيبي: "ويحتمل أن يكون من تناهي" بهاء بعد ألف "التشبيه" من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: من التشبيه الذي بلغ النهاية، حيث "جعل وجهه مقرًّا ومكانًا للشمس" تجري فيه، فهذا بيان لجهة التناهي، أي: إنه جعل ما حقه أن يكون مشبهًا مشبهًا به؛ إذ جريان

<<  <  ج: ص:  >  >>