للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على من في قلبه مرض وأعيى داء.

ولقد أطنب ابن الحاج في "المدخل" في الإنكار على ما أحدثه الناس من البدع والأهواء والغناء بالآلات المحرمة عند عمل المولد الشريف، فالله تعالى يثيبه على قصده الجميل، ويسلك بنا سبيل السنة، فإنه حسبنا ونعم الوكيل.


احتراق قلب، فكلاهما صحيح. "على من في قلبه مرض، وأعيى" بفتح الهمزة وسكون العين مضافًا إلى "داء" المقصور للسجع، وأصله المد عطف على أشد علة، أي بما يصيبه من الغيظ الحاصل له بمولده صلى الله عليه وسلم. "ولقد أطنب ابن الحاج" أبو عبد الله محمد بن محمد العدبري الفارسي أحد العلماء العاملين المشهورين بالزهد والصلاح من أصحاب ابن أبي حمزة، كان فقيهًا عارفًا بمذهب مالك وصحب جماعة من أرباب القلوب، مات بالقاهرة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة. "في" كتاب "المدخل" إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات والتنبيه على كثير من البدع المحدثة والعوائد المنحلة، قال ابن فرحون: وهو كتاب حفيل جمع فيه علمًا غزيرًا، والاهتمام بالوقوف عليه متعين ويجب على من ليس له في العلم قدم راسخ أن يهتم بالوقوف عليه، انتهى.
"في الإنكار على ما أحدثه الناس" البشر، وقد يكون من الإنس والجن، قيل: مشتق من ناس ينوس إذا تحرك، وقيل: من النسيان وإلى ترجيحه يومئ كلام المنجد، قال أبو تمام:
لا تنسين تك العود فإنما ... سميت إنسانًا لأنك ناسي
"من البدع والأهواء" أي: المفاسد التي تميل إليها النفس، فهو مساوٍ للبدع المرادة هنا، "والغناء" مثل كتاب الصوت وقياسه الضم؛ لأنه صوت وغني بالتشديد: ترنم بالغناء؛ كذا في المصباح. "بالآلات المحرمة" كالعود والطنبور "عند عمل المولد الشريف، فالله تعالى يثيبه على قصده الجميل" الجنة ونعيمها "ويسلك بنا سبيل السنة" أي: الطريق الموصلة إليها من فعل الطاعات واجتناب المعاصي، والمراد: طلب الهداية إلى ذلك، وفي نسخة: بنا وبه والمراد بسلوكها بالنسبة لابن الحاج جعله في زمرة المتقين في الآخرة، "فإنه" سبحانه "حسبنا" كافينا "ونعم الوكيل" الموكول إليه هو، والحاصل: أن عمله بدعة لكنه اشتمل على محاسن وضدها، فمن تحرى المحاسن واجتنب ضدها كانت بدعة حسنة، ومن لا فلا.
قال الحافظ ابن حجر في جواب سؤال: وظهر لي تخريجه على أصل ثابت، وهو ما في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى ونحن نصومه شكرًا، قال: فيستفاد منه فعل الشكر على ما من به في يوم معين، وأي نعمة أعظم من بروز نبي الرحمة والشكر يحصل بأنواع العبادة؛ كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن رجب. قال السيوطي: وظهر

<<  <  ج: ص:  >  >>