للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنا لنجهد أنفسنا وأنه لغير مكترث.

وعند يزيد بن مرثد قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا مشى أسرع حتى يهرول الرجل وراءه فلا يدركه: رواه ابن سعد.

وروي أنه كان إذا مشى مشى مجتمعًا, أي: قوي الأعضاء غير مسترخٍ في المشي.

وقال علي: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا مشى تقلع.


وأوضحه بقوله: "إنا لنجهد" بفتح النون وضمها، من جَهد كمنع, وأجهد، أي: نتعب "أنفسنا"، ونوقعها في المشقَّة والتعب، أو نحمِّلها في السير فوق طاقتها، ولم يقل: يجهدنا؛ لأنه لم يقصده, إنما هو طبعه، "وأنه" حال من الفاعل "لغير مكترث"، أي: مبالٍ بجهدنا أو غير مسرعٍ؛ بحيث تلحقه مشقة، فكان يمشي على هينته، ويقطع ما نقطع بالجهد من غير جهد، واستعمال مكترث في النفي هو الأغلب؛ وفي الإثبات قليل شاذّ، وعن أبي هريرة: كنت معه -صلى الله عليه وسلم- في جنازة، فكنت إذا مشيت سبقني، فالتفتُّ إلى رجل بجنبي، فقلت: تطوى له الأرض وخليل إبراهيم. رواه أحمد وابن سعد، فأقسم أبو هريرة لما رآه من قطعه للمسافة مع تأنّيه في المشي، وجهد غيره فيه، "وعند يزيد" بتحتية وزاي "ابن مرثد" بفتح الميم والمثلثة, بينهما راء ساكنة ثم مهملة- أبي عثمان الهمداني الصنعاني، من صنعاء دمشق، ثقة, من أواسط التابعين، وله مراسيل.
"قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا مشى أسرع"، قال الزمخشري: أراد السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت، امتثالًا لقوله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لقمان: ١٩] ، أي: أعدل فيه حتى يكون مشيًا بين مشيين، لا يدب دبيب المتماوتين، ولا يثب وثب الشياطين. انتهى. "حتى يهرول" أي: يسرع في المشي دون الخبب، "الرجل وراءه" قال الجوهري: الهرولة ضَرْبٌ من العَدْوِ, وهو بين المشي والعَدْوِ، "فلا يدركه" مع أنه على غاية من الهون والتأني وعدم العجلة، {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} "رواه ابن سعد" في الطبقات، "وروي أنه كان إذا مشى مشى مجتمعًا، أي: قوي الأعضاء غير مسترخٍ في المشي"، وعند ابن عساكر: عن ابن عباس، كان يمشي مشيًا يعرف فيه أنه ليس بعاجز ولا كسلان، "وقال علي" فيما رواه الترمذي: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا مشى تقلع"، أي: رفع رجليه رفعًا بائنًا، متداركًا إحداهما بالأخرى، مشية أهل الجلادة، يريدان مشيه مثل مشي القلَعة -بفتح اللام، وهي القطعة العظيمة من السحاب، وفي حديث علي هذا أيضًا تلوه: كأنما ينحَطّ من صبب.

<<  <  ج: ص:  >  >>