للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن أبي هالة: إذا زال زال تقلعًا، يخطو تكفيًا، ويمشي هونًا، ذريع المشية إذا مشى, كأنما ينحط من صبب، وفي رواية: إذا زال زال قلعًا -بالفتح والضم، ثم الفتح- هو مصدر بمعنى الفاعل, أي: لا يزول قالعًا لرجله من الأرض، وهو بالضم, إمَّا مصدر أو اسم, وهو بمعنى الفتح.


"وقال ابن أبي هالة: إذا زال" أي: ذهب وفارق، يقال: زال يزول زوالًا، فارق طريقته أو مكانه جانحًا عنه، ذكره الراغب، "زال تقلعًا" بقاف ومهملة، وهو في الأصل انتزاع الشيء من أصله, أو تحويله عن محله، وكلاهما صالح هنا، أي: ينزع رجله عن الأرض، أو يحولها عن محلها بقوة, وحينئذٍ فضمير زال عائد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، وتعسف من رجعه للماء في قوله قبله: ينبو عنهما الماء، "يخطو" يمشي "تكفيًا" جملة مؤكدة لمعنى زال تقلعًا، "ويمشي" تفتن، فعبَّر عن المشي بعبارتين؛ كراهة تكرار لفظه، أو هو تتميم لبيان صفة مشيه، ويمشي "هونًا" حال أو صفة ليمشي, بمعنى هينًا أو مشيًا هينًا، إلا أن في وضع المصدر موضع الصفة مبالغة، والهون الرفق واللين، ومنه خبر: أحبب حبيبك هونًا، وخبر: المؤمنون هينون لينون، وفي المثل: إذا عزَّ أخوك فهن، وإذا عاسر فياسر، والمراد: برفق وسكينة وتثبت ووقار، وحلم وأناة، وعفاف وتواضع، فلا يضرب بقدمه الأرض، ولا يخفق بنعله بطرًا، ولذا كره بعض العلماء الركوب في الأسواق، قاله في الكشاف. لا يقال شأن الصفة تمييز الموصوف عن غيره، فكيف وصفه بما يشاركه فيه خواص أمته.
قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣] ؛ لأنَّ المراد أنه أثبت منهم في ذلك، وأكثر وقارًا ورفقًا، وسكينة، "ذريع المشية" بالكسر- خلقة، أي: مع كون مشيه هونًا خطاه واسعة كأنما الأرض تطوى له، "إذا مشى" ظرف لما قبل، أو لقوله: "كأنما ينحط" ينزل "من صبب"، أي: محل منحدر، "وفي رواية" في حديث ابن أبي هالة: "إذا زال زال قلعًا" بالنصب حال أو مصدر، "بالفتح" للقاف، "والضم" لها مع إسكان اللام فيهما هذا ظاهره، وفي القاموس: إن الفتح إنما هو مع فتح اللام، "ثم الفتح هو مصدر بمعنى الفاعل"، أي: قالع، "أي: لا يزول"، كذا النسخ, والصواب كما في النهاية: حذف لا؛ إذ المعنى عليه، أي: يزول "قالعًا لرجله على الأرض، وهو بالضم إما مصدر، أو اسم" لمصدر، "وهو بمعنى الفتح" وهذا كله لفظ النهاية وفي القاموس، روي هذا الحديث بالضم بالتحريك، وككتف، أي: إذا مشى يرفع رجليه رفعًا بائنًا، أي: لا يمشي اختيالًا وتنعمًا, انتهى.
والمفهوم منه: إن القلع رفعهما رفعًا ظاهرًا؛ بحيث لا يفهم منه الاختيال والتنعم، وجعله مصدرًا بمعنى الفاعل، يفيد إن كان يمشي في حالة كونه قالعًا لرجليه من الأرض؛ وكان المعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>