للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يقتضي أن مجرد الكذب عليه في صفة من صفاته كفر يوجب القتل. وليس كذلك، بل لا بد من ضميمة ما يشعر بنقص في ذلك. كما في مسألتنا هذه, فإن الأسود لون مفضول.

وأما طيب ريحه وعرقه وفضلاته -عليه الصلاة والسلام, فقد كانت الرائحة الطيبة صفته -صلى الله عليه وسلم- وإن لم يمس طيبًا.

وروينا عن أنس: ما شممت ريحًا قط


"وهذا يقتضي أنَّ مجرد الكذب عليه في صفة من صفاته كفر يوجب القتل، وليس كذلك، بل لابُدَّ من ضميمة ما يشعر بنقص في ذلك، كما في مسألتنا هذه، فإن الأسود لون مفضول" لكن هذا اعتراض عجيب من شافعي بمذهبه على مالكي حاكٍ لمذهب مالك، فمذهبه أنَّ من غيِّر صفته، كما لو قال قصيرًا أو أسودًا يقتل، وإن ظهر أنه لم يرد ذمَّه لجهلٍ أو سكر أو تهور، كما في المختصر، "وأما طيب ريحه وعرقه"، لونًا وريحًا وكثرةً، "وفضلاته" برفعهما عطفًا على طيب، وجرهما على ريح، والأول أظهر لذكره لون العرق وكثرته، وابتلاع الأرض بوله وغائطه، وعدم اطّلاع أحدٌ عليهما؛ فلم يقتصر على طيب ريحها منه "عليه الصلاة والسلام"، وجواب أمَّا محذوف، أي: فكانت أحوالها وصفاتها خارقة للعادة، وإذا أردت معرفة ذلك، "فقد كانت الرائحة الطيبة صفته -صلى الله عليه وسلم"، ويحتمل أن هذا جواب، أمَّا لكن ليس في الخبر ضمير يربطه بالمبتدأ؛ إذ المبتدأ طيبٌ المضاف لريحٍ المضاف لضمير المصطفى، وضمير صفته لنفسه -عليه السلام، لا لطيب الواقع مبتدأ, نعم في الخبر ضمير يعود على المضاف إلى المضاف إلى المبتدأ، فإن اكتفى بذلك فلا إشكال، ولكن الأَوْلَى أن الجواب محذوف، قرره شيخنا، "وإن لم يمس طيبًا"، ومع هذا كان يستعمل الطيب في أكثر أوقاته مبالغة في طيب ريحه، لملاقاة الملائكة وأخذ الوحي ومجالسة المسلمين، قاله النووي: ولأنّه حُبِّبَ إلي، كما قال: "حُبِّبَ إليَّ من نياكم النساء والطيب".
وروى ابن مردويه عن أنس: كان -صلى الله عليه وسلم- منذ أسري به ريحه ريح عروس، وأطيب من ريح عروس، ولا دلالة فيه على أنّ مبدأ طيب ريح جسده من ليلة الإسراء -كما زعم؛ إذ ريح عروس أخص من مطلق رائحة طيبة، فلا ينافي أنه طيب الرائحة من حين وُلِدَ، كما رواه أبو نعيم والخطيب، أن أمه آمنة لما ولدته قالت: ثم نظرت إليه؛ فإذا هو كالقمر ليلة البدر، ريحه يسطع كالمسك الأذفر، "وروينا عن أنس: ما شممت ريحًا قط"، أي: لطيب أو طيبًا؛ إذ الريح المطلق من الأوصاف التي لا تقوم بذاتها، بل شمه لا يتصور، والمعنى: إنه شم روائح طيبة، وريح

<<  <  ج: ص:  >  >>