فعلم -صلى الله عليه وسلم- أنه يسري في جميع جسده، فتكتسب جميع أعضائه منه قوى من قوى النبي -صلى الله عليه وسلم، فتورثه غاية قوة البدن والقلب، وتكسبه نهاية الشهامة والشجاعة، فلا ينقاد لمن هو دونه بعد ضعف العدل، وقلة ناصره، وتمكُّن الظلمة، وكثرة أعوانهم، فحصل له ما أشار إليه -صلى الله عليه وسلم، من تلك الحروب الهائلة التي تنتهك بها حرمته الناشئة من حرمته -صلى الله عليه وسلم، وحرمة البيت العتيق، فقيل له: ويل له؛ لقتله وانتهاك حرمته، وويل لهم؛ لظلمهم وتعديهم عليه، وتسفيههم، وأما مالك: فازدرد ما مصّه من الجرح الذي في وجهه -صلى الله عليه وسلم، وهو أقلّ من دم الحجامة، وكأنَّه علم أنه يستشهد في ذلك اليوم، فلم يبق له من أحوال الدنيا ما يخبره به، فأعلمه بالأهمّ له مما يتلقاه من أنواع مسرَّات الجنان، انتهى. ولا عطر بعد عروس، وحاصله: إنه اقتصر لمالك على التبشير بالجنة أنه لا تصيبه النار؛ لعدم بقاء شيء له من الدنيا، بخلاف ابن الزبير، فأخبره بما يقع له في الدنيا على سبيل الإشارة، كما أشار له أيضًا بأنه من أهل الجنة بقوله: "لا تمسك النار"، فزعم أن مقتضاه أنه لم يخاطب بهذا ابن الزبير بل مالكًا, ساقط إذ محط الفرق إنما هو قوله: ويل إلخ ... ، وكيف يتوهّم أنه لم يخاطب به ابن الزبير، "و" قد ورد "عند الدارقطني، من حديث أسماء بنت أبي بكر نحوه، وفيه: "ولا تمسَّك النار"، فهل يظن بالحافظ أنه لم ير الدارقطني، وهو من جملة مروياته على شيوخ عدة، ولفظ الدارقطني في السنن عن أسماء، قالت: احتجم -صلى الله عليه وسلم، فدفع دمه لابني، فشربه، فأتاه جبريل، فأخبره، فقال: "ما صنعت"، قال: كرهت أن أصبّ دمك، فقال -صلى الله عليه وسلم: "لا تمسك النار"،