للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقررنا به من خلف حجابه، وتقلدنا سيف الحجة به ولكن في قرابه:

وما كونه مما تحصل مقلة ... ولا حده مما تحس الأنامل

وقال صاحب عوارف المعارف: ولا يبعد أن قول عائشة -رضي الله عنها: كان خلقه القرآن. فيه رمز غامض، وإيماء إلى الأخلاق الربانية، فاحتشمت الحضرة الإلهية أن تقول: كان متخلقًا بأخلاق الله تعالى, فعبَّرت عن المعنى بقولها: كان خلقه القرآن استحياءً من سبحات الجلال وسترًا للحال بلطيف المقال، وهذا من وفور عقلها وكمال أدبها، انتهى.


بحيث لا نتكلم فيه بشيء، "وأقررنا:" اعترفنا "به من خلف حجابه" لعدم قدرتنا على كشفه، والمراد بالحجاب: ما يمنع حمل المتشابه على ظاهره، كاستحالة إطلاقه على الله، يعني: آمنا به مع اعترافنا بإشكاله علينا، "وتلقدنا سيف الحجة به ولكن في قرابه" أي: احتججنا به مع عدم العلم بالمراد منه:
وما كونه مما تحصل مقلة ... ولا حده مما تحس الأنامل
يعني: إنه لا يُدْرَكُ معناه لشدة خفائه؛ بحيث أشبه من الموجودات ما لا يدرَك بالبصر، لدقته وخفائه، ولا تدرك صفته بمس الأنامل لذلك أيضًا. "وقال صاحب عوارف المعارف" العارف، العلامة عمر شهاب الدين بن محمد بن عمر السهروردي -بضم المهملة، وسكون الهاء، وضم الراء، وفتح الواو، وسكون الراء الثانية، ودل مهملة- نسبةً إلى سهرورد بلد عند زنجان. الإمام الورع، الزهد الفقيه الشافعي، ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وأخذ عن الكيلاني وغيره، وسمع الحديث من جماعة، وقرأ الفقه والخلاف، ثم لازم الخلوة والصوم والذكر، ثم تكلَّم على الناس لما أسنَّ، ووصل إلى الله به خلق كثير، وتاب على يديه كثير من العصاة، وكُفَّ، وأقعدَ، وما أخلَّ بذكر ولا حضور، جمع ولازم الحج، فكانت محفَّته تحمل على الأعناق من العراق إلى البيت الحرام، ومات ببغداد مستهَلّ محرم، سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، "ولا يبعد أن قول عائشة -رضي الله عنها: كان خلقه القرآن، فيه رمز غامض" خفي "وإيماء" إشارة إلى الأخلاق الربانية، فاحتشمت" استحيت "الحضرة الإلهية، أن تقول: كان متخلقًا بأخلاق الله تعالى، فعبَّرت عن المعنى بقولها: كان خلقه القرآن، استحياء من سبحات" بضم السين "الجلال" إضافة بيانية، قال المصباح: السبحات التي في الحديث جلال الله وعظمته ونوره وبهائه، "وسترًا للحال بلطيف المقال، وهذا من وفور عقلها، وكمال أدبها، انتهى".

<<  <  ج: ص:  >  >>