للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في وجه محمد حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا. فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله، فابتعت منه تمرًا إلى أجلٍ, فأعطيته الثمن، فلمَّا كان قبل مجيء الأجل بيومين أو ثلاثة أتيته, فأخذت بمجامع قميصه وردائه على عنقه، ونظرت إليه بوجه غليظ ثم قلت: ألا تقضيني يا محمد حقي، فوالله إنكم يا بني عبد المطلب مطل، فقال عمر: أي عدو الله، أتقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أسمع, فوالله لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر


الشيء بمعنى العلامة، "في وجه محمد حين نظرت إليه إلّا اثنتين" في رواية: إلّا خصلتين، "لم أخبرهما" -بفتح الهمزة، وإسكان الخاء، وضم الباء- أي: لم أعلمهما "منه" على حقيقتهما؛ إذ علمهما لا يكون بالمشاهدة، بل بالاختيار، "يسبق حلمه جهله" مقابل الحلم من الغضب والانتقام، من آذاه، قال الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فالمراد أن حلمه يغلب حِدَّته، كقوله: سبقت رحمتي غبي، فليس الجهل هنا مقابل العلم، وهو عدم إدراك الشيء، أو إدراكه على خلاف ما هو عليه، كما توهَّمه من لم يعرف لغة العرب؛ حيث قال: لو كان له جهل نحو: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} الآية، وهذه إحدى الخصلتين، "و" الثانية "لا تزيده شدة الجهل"، أي: جهل غيره، أي: سفاهته "عليه" وأذيته "إلا حلمًا", فكلما زادت واشتدت، زاد حلمه -صلى الله عليه وسلم، "فكنت أتلطف" أتخشَّع، وأترفَّق "له" توصلًا "لأن أخالطه، فأعرف حلمه وجهله، فابتعت" أي: اشتريت "منه تمرًا إلى أَجَلْ" وفي رواية أبي نعيم: وأعطاه زيد بن سعنة قبل إسلامه ثمانين مثقالًا ذهبًا، في تمر معلوم إلى أجل معلوم، "فأعطيته الثمن، فلمَّا كان قبل مجيء الأجل بيومين، أو ثلاثة" وفي رواية أبي نعيم بيوم، أو يومين، "أتيته، فأخذت بمجامع" جمع مجمع، كمقعد ومنزل، موضع الاجتماع، كما في القاموس وغيره، أي: بما اجتمع من "قميصه وردائه على عنقه، ونظرت إليه بوجه غليظ" أي: عابس مقطب، "ثم قلت: ألَا تقضيني يا محمد حقي؟ فوالله أنكم يابني عبد المطلب مطل" بضم الميم، والطاء جمع ماطل، أي: تمتنعون من أداء الحق، وتسوفون بالوعد مرة بعد أخرى، "فقال عمر" في رواية أبي نعيم: فنظر إليه عمر وعيناه تدوران في وجهه، كالفلك المستدير، فقال: "أي عدو الله أتقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أسمع؟ " زاد أبو نعيم، وتفعل به ما أرى، "فوالله لولا ما أحاذر" بمعنى أحذر، أي: شيء أخاف "فوته" من بقاء الصلح بين المسلمين وبين قومه.
وفي رواية أبي نعيم: لولا ما أحاذر قومك لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر

<<  <  ج: ص:  >  >>