للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألف. قال ابن دحية: وهذا نهاية الجود الذي لم يسمع بمثله في الوجود.

وفي البخاري من حديث أنس: إنه -صلى الله عليه وسلم- أتي بمال البحرين فقال: "انثروه" -يعني صبوه- في المسجد، وكان أكثر مال أتي به -صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى المسجد ولم يلتفت إليه، فلمَّا قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدًا إلا أعطاه؛ إذ جاء العباس فقال: يا رسول الله أعطني، فإني فاديت نفسي وفاديت عقيلًا،..................


خَيَّرَهم بين رد المال أو السبايا، فاختاروا السبايا فردهم، كما مَرَّ مفصلًا. "قال ابن دحية، وهذا نهاية الجود، الذي لم يسمع بمثله في الوجود" وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن رجل من العرب, مشيت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين، وفي رجلي نعل كثيفة، فوطئت بها على رجله، فنفحني نفحة بسوط في يده، وقال: "بسم الله أوجعتني"، فبت لنفسي لائمًا أقول: أوجعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فبت بليلة كما يعلم الله، فلما أصبحنا إذا رجل يقول: ابن فلان، فقلت: هذا الذي، والله كان مني بالأمس، فانطلقت وأنا متخوّف، فقال لي -صلى الله عليه وسلم: "إنك وطئت رجلي بالأمس فأوجعتني فنفحتك بسوط، فهذه ثمانون نعجة فخذها"، ونفحني -بنون ففاء فمهملة- دفعني، ولعله أتى بالتسمية مع نفحة، إرادة أن لا يؤلمه الدفع، "وفي البخاري" في مواضع "من حديث أنس أنه -صلى الله عليه وسلم- أتي" بضم الهمزة، مبني للمفعول، "بمال من" خراج "البحرين" لفظ تثنية بحر بلدة بين بصرة، وعمان، "فقال: "انثروه" بمثلثة "يعني صبوه" فسره به لدفع توهم أنه أمر بنثره مفرقًا "في المسجد" النبوي، وفيه جواز وضع ما يشترك المسلمون فيه من صدقة ونحوها في المسجد، ومحله ما لم يمنع مما وضع المسجد له من صلاة وغيرها مما بني المسجد لأجله، ونحو هذا الوضع وضع زكاة الفطر، ويستفاد منه جواز وضع ما يعم نفعه في المسجد، كالماء لشرب من عطش، ويحتمل التفرقة بين ما وضع للخزن للتفرقة وبين ما يوضع للخزن، فيمنع الثاني دون الأول، قاله الحافظ: "وكان أكثر مالٍ أتي به -صلى الله عليه وسلم" من الدراهم، أو من الخراج، فلا ينافي أنه غنم في حنين ما هو أكثر منه وقسمه، "فخرج إلى المسجد، ولم يلتفت إليه" أي: المال، أي: لم يتعلّق نظره بأخذ شيء منه لنفسه، ولا لأحد من أصحابه به بعينه، ففيه غاية كرمه، وأنه لا يلتفت إلى المال قلَّ أو كَثُر.
"فلمَّا قضى الصلاة جاء، فجلس إليه" أي: عنده، "فما كان يرى أحدًا إلّا أعطاه" منه "إذ جاء العباس" عمه، من غير موعد سابق، قال في المصابيح: المعنى، فبينما هو على ذلك إذ جاءه العباس، "فقال: يا رسول الله أعطني" منه، "فإني فاديت" أي: أعطيت فداء "نفسي" يوم بدر، "فاديت عقيلًا" بفتح العين، وكسر القاف- ابن أبي طالب، وكان أسر مع عمه في غزوة

<<  <  ج: ص:  >  >>