للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال له: "خذ"، فحثى في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع، فقال: يا رسول الله، مر بعضهم يرفعه عليّ، قال: "لا"، قال: فأرفعه أنت عليّ، فقال: "لا"، فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يستطع, فقال: يا رسول الله, مر بعضهم يرفعه عليّ، قال: "لا"، قال: فارفعه أنت عليّ، قال: "لا"، فنثر منه ثم احتمله, فألقاه على كاهله فانطلق، فما زال -صلى الله عليه وسلم- يتبعه بصره حتى خفي علينا عجبًا من حرصه، فما قام -عليه الصلاة والسلام- وثَمَّ منها درهم.

وفي رواية ابن أبي شيبة...................


بدر، "فقال له: خذ فحثى" بمهملة، ومثلثة، من الحثية، وهي ملء اليد "في ثوبه" أي: حثى العباس في ثوب نفسه، "ثم ذهب يقله" بضم أوله، من الإقلال، وهو الرفع والحمل، أي: يرفعه، "فلم يستطع" حمله، "فقال: يا رسول الله مر بعضهم" بضم الميم، وسكون الراء، وفي رواية: أؤمر بالهمز "يرفعه علي" بالجزم لأنه جواب الأمر, ويجوز الرفع, أي: فهو يدفعه, قاله الحافظ, وقال المصنف: أؤمر بهمزة مضمومة، فأخرى ساكنة، وبحذف الأولى، وتصير الثانية ساكنة، وهذا جار على الأصل، وللأصيلي مُرْ على وزن على، حذف منه فاء الفعل لاجتماع المثلين في أول كلمة، وهو مؤد إلى الاستثقال، فصار أمر، فاستغني عن همزة الوصل المتحرك ما بعدها فحذفت، ولأبي ذر في نسخة: برفعه بموحدة مكسورة، وسكون الفاء، "قال: "لا" آمر أحدًا برفعه" "قال: فأرفعه أنت عليّ، فقال: "لا" أرفعه، وإنما فعل ذلك تنبيهًا له على الاقتصاد، وترك الاستكثار من المال، "فنثر" العباس "منه، ثم ذهب يقله فلم يستطع، فقال: يا رسول الله مر بعضهم يرفعه عليّ، قال: "لا" , قال: فارفعه أنت عليّ، قال: "لا" أرفعه، وكأن العباس فهم أنه لا يكلف بعض أصحابه برفعه، فسأله أن يرفعه هو إدلالًا عليه، "فنثر منه، ثم احتمله، فألقاه على كاهله" أي: بين كتفيه.
قال الحافظ وغيره، قال ابن كثير: كان العباس شديدًا طويلًا نبيلًا، قلَّما احتمل شيئًا يقارب أربعين ألفًا، "فانطلق" وفي رواية، ثم انطلق، وهو يقول: إنما أخذت ما وعد الله، فقد أنجز يشير إلى قوله تعالى: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} [الأنفال: ٧٠] الآية، "فما زال -صلى الله عليه وسلم- يتبعه" بضم أوله، وسكون ثانية، وكسر ثالثه، أي: يتبع العباس، "بصره حتى خفي علينا" غاب شخصه عنا؛ بحيث لا نراه "عجبًا" بالنصب مفعول مطلق، من حرصه، فما قام -عليه الصلاة والسلام" من ذلك المجلس، "وثَمَّ" بفتح المثلثة، أي: هناك "منها" أي: الدراهم "درهم" جملة حالية من مبتدأ مؤخر وهو درهم، وخبره منها، ومراده: نفي أن يكون هناك درهم, فالحال قيد للمنفي لا للنفي، فالمجموع منتفٍ بانتفاء القيد لانتفاء المقيد، وإن كان ظاهره نفي القيام حالة ثبوت الدراهم، قاله البرماوي، والعيني، "وفي رواية ابن أبي شيبة،

<<  <  ج: ص:  >  >>