للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناهج سنته، وأماتنا على محبته بمنه ورحمته- أنَّ المعجزة هي الأمر الخارق للعادة المقرون بالتحدي الدال على صدق الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام.

وسميت معجزة لعجز البشر عن الإتيان بمثلها، فعلم أن لها شروطًا.

أحدها: أن تكون خارقة للعادة، كانشقاق القمر، وانفجار الماء من بين أصابعه، وقلب العصا حية،....


قال في المختار: السلك بالفتح مصدر سلك الشيء في الشيء فانسلك، أي: أدخله فيه فدخل, وبابه نصر، قال تعالى: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} وأسلكه فيه لغة، ولم يذكر في الأصل, يعني: الجوهري, سلك الطريق إذا ذهب، وبأنه دخل، وأظنَّه سها عن ذكره؛ لأنه مما لا يترك قصدًا "مناهج سنته،" أي: الطرق الموصلة إلى سيرته الحميدة -جمع منهج كمذهب, ويجمع أيضًا على منهاج، "وأماتنا على محبته" المراد سؤال الإخلاص في حبه ودوام ذلك للموت، فلا يزول عنه ما دام حيًّا لا سؤال الموت، ولا أنَّه مع المحبة، وإن سبقه انتفاؤها "بمنِّه" إنعامه لا تعداد النعم, بقرينة أن المطلوب أصل النعم، ورحمته إنعامه أو إرادته, فعطفها على مَنِّه مراد على الأول, ومن عطف السبب على المسبب على الثاني, أي: إرادته الرحمة؛ إذ الإرادة سبب للمنِّ، "أن المعجزة هي الأمر الخارق للعادة" وجوديًّا، كنبع الماء من الأصابع أو عدميًّا كنجاة إبراهيم من النار، المقرون بالتحدي الدال على صدق الأنبياء" صفة لازمة؛ إذ كل خارق مقرون بدعوى الرسالة دالّ على صدقهم "عليهم الصلاة والسلام، وسميت معجزة لعجز البشر عن الإتيان بمثلها"؛ إذ لا ينسب شيء منها لكسبهم لخرقها للعادة، "فعلم" من هذا التعريف "أن لها شروطًا" أركانًا أربعة لابُدَّ منها, لا ما كان خارج الماهية؛ إذ الخارق للعادة المقرون بالتحدي مفهوم المعجزة لا خارج عنها, وما كان كذلك ركن لا شرط.
"أحدها: أن تكون خارقة للعادة: بأن ينقطع أثر على سبب جرت العادة الإلهية بترتُّبه عليه، كانقطاع الإحراق عن نار نمروذ في حق إبراهيم، وبأن يترتَّب أثر على سبب لم تجر العادة الإلهية بترتُّبه عليه، كانشقاق القمر" للمصطفى، وانفجار الماء من بين أصابعه" صلى الله عليه وسلم، "وقلب العصا حية" لموسى -عليه الصلاة والسلام.
وروي عن ابن عباس والسدي: أنه لما ألقى عصاه صارت حية عظيمة، صفراء، شعراء فاغرة، أي: فاتحة فاها بين لحييها ثمانون ذراعًا، وارتفعت عن الأرض بقدر ميل، وقامت على ذنبها ووضعت لحيها الأسفل على الأرض، والآخر على سور القصر، ثم توجهت نحو فرعون، روي أنها أخذت قبته بين نابيها، فهرب وأحدث، قيل: أخذه البطن في ذلك اليوم أربعمائة مرة

<<  <  ج: ص:  >  >>