للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإخراج ناقة من صخرة،.......................................


وانهزم الناس مزدحمين، فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا، قتل بعضهم بعضًا، فأخذها فعادت عصاه. ذكره البغوي، وفي التنزيل: {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} ، وفيه {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} .
قال البغوي: الثعبان الذكر العظيم من الحيات، ولا ينافيه قوله: {كَأَنَّهَا جَانٌّ} ، والجان الحية الصغيرة؛ لأنها كانت كالجانّ في الخفة والحركة، وهي في جثتها حية عظيمة.
"وإخراجه ناقة من صخرة" لصالح -عليه السلام، كما ذكر ابن إسحاق وغيره: أن عادًا لما هلكت عمَّرت ثمود بعدها وكثروا، وعمروا إعمارًا طوالًا حتى جعل أحدهم يبني المسكن من المدر فينهدم والرجل حي, فنحتوا البيوت من الجبال، وكانوا في سعة، فعتوا وأفسدوا وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحًا من أوسطهم نسبًا وأفضلهم حسبًا وموضعًا، وهو شاب، فدعاهم إلى الله حتى شمط وكبر، لا يتبعه إلّا قليل مستضعفون، فألحَّ عليهم بالدعاء، وأكثر لهم التخويف، فسألوه آية تصدقه، فقال: أية آية تريدون, قالوا: تخرج معنا غدًا إلى عيدنا، وكان لهم عيد يخرجون فيه بأصنامهم في يوم معلوم من السنة، فتدعوا إلاهك وندعو آلهتنا، فإن استجيبت لك اتبعناك، وإن استجبت لنا اتبعتنا، فقال صالح: نعم، فخرج معهم، وخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم، فسألوها أن لا يستجاب لصالح في شيء من دعائه، فلم تجبهم، فقال سيدهم جندع بن مرو: يا صالح، أخرج لنا من هذه الصخرة لصخرة منفردة في ناحية من الحجر، يقال لها الكاثبة: ناقة مخترجة، جوفاء، وبراء، عشراء، والمخترجة ما شاكل البخث من الإبل، فإن فعلت صدقناك وآمنَّا بك، فأخذ صالح مواثيقهم بذلك، فقالوا: نعم، فصلى ركعتين ودعا ربه، فتمخَّضت الصخرة تمخّض النتوج بولدها، ثم تحركت الهضبة فانصدعت عن ناقة، كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها إلّا الله عظمًا, وهم ينظرون, ثم نتجت سبقًا، بمهملة مفتوحة، وقاف ساكنة وموحدة، أي ولدًا، وهم ينظرون مثلها في العظم، فآمن به جندع ورهط من قومه، وأراد أشرافهم الإيمان، فنهاهم دواب ابن عمرو بن لبيد، والحباب صاحبا أوثانهم، ورباب بن صمعر كاهنهم, فقال صالح: هذه ناقة الله لها شرب ولكم شرب يوم معلوم، فمكثت الناقة وسقبها ترعى الشجرة وتشرب الماء غبًّا، فما ترفع رأسها حتى تشرب كل ما في البئر، فلا تدع قطرة، ثم ترفع رأسها فتتفحج فيحلبون ما شاءوا، فيشربون ويدخرون حتى يملؤوا أوانيهم كلها، ثم تصدر من غير الفج الذي منه وردت، لا تقدر أن تصدر من حيث ترد، يضيق عنها حتى إذا كان الغد يومهم، فيشربون ما شاءوا من الماء ويدَّخرون ليوم الناقة، فهم من ذلك في سعة ودعة، وكانت تصيف بظهر الوادي مواشيهم إلى ظهره، فأضرَّ ذلك مواشيهم للبلاء والاختبار, وكبر ذلك عليهم, فأجمعوا

<<  <  ج: ص:  >  >>