للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم جاءت تخد الأرض, تجر عروقها مغيرة حتى وقفت بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: السلام عليك يا رسول الله، فقال الأعرابي: مرها فلترجع إلى منبتها، فرجعت, فدلت عرقوها في ذلك الموضع فاستقرّت, فقال الأعرابي: ائذن لي أن أسجد لك، قال: "لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها". رواه البزار في الشفاء.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: بم أعرف


هو الظاهر لقوله: "ثم جاءت تَخُدُّ الأرض، تجرّ عروقها،" ولو تقطعت حقيقة، فسدت ولم تبق ثابتة بحالها، وقيل: هي معجزة أخرى، مخالفة للعادة ببقائها بعد تقطع عروقها التي هي سبب حياتها، والجملتان حالان مترادفتان أو متداخلتان، والثانية مؤكدة للأولى، ولذا لم تعطف عليها، "مغيرة" بضم الميم وكسر المعجمة وسكون التحتية، أي: مسرعة في مشيها، قال تعالى: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} الآية، فهو اسم فاعل من أغار، وروي بياء موحَّدة، مشددة مكسورة، وراء خفيفة، اسم فاعل، يقال غير: أثار الغبار، وروي مغبَّرة بضم فسكون ففتح الموحدة الخفيفة، والراء الثقيلة اسم فاعل أيضًا؛ لأنه ازم, أي: اشتد غبارها أو علاها الغبار، وهو حال إمَّا من ضمير تجر, أي: تجر العروق في حال غبرة، أو من العروق، أي: في حال كون العروق مغبرة، "حتى وقفت بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم" قريبة منه، مواجهة له، "فقالت: السلام عليك يا رسول الله" فجمعت الطاعة والشهادة بالرسالة والتوقير، "قال الأعربي: مرها" بضم الميم، مخفف أؤمرها، "فلترجع إلى منبتها،" بكسر الموحدة وفتحها، كما مَرَّ فأمرها.
"فرجعت" لمحلها، "فدلَّت عروقها،" أدخلتها في ذلك الموضع" الذي هو أصلها، "فاستقرَّت" فيه، وفي الشفاء: فاستوت، أي: انتصبت قائمة من غير ميل، "فقال الأعرابي: ائذن،" بكسر الهمزة، وسكون التحتية، وأصله ائذن بهمزتين، والأولى وصل، والثانية فاء الكلمة، فلما اجتمع همزتان ثانيتهما ساكنة، وجب إبدالها ياء على القاعدة في ذلك، كما في الألفية وغيرها، خلاف قول البعض بكسر الهمزة الأولى وسكون الثانية، ويجوز إبدالها ياء، "لي أن أسجد لك", فأبى -صلى الله عليه وسلم، و"قال: "لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد" أي: لو جاز أمر مخلوق بالسجود، لمثله، "لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" لوجوب طاعته عليها، وحقوقه الموجبة للتعظيم والخضوع، وفي شرعنا يمتنع السجود والركوع لغير الله تعالى، قيل: وكان جائزًا في الشرائع السابقة بقصد التعظيم لا العبادة، كما قال تعالى: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} الآية. إن كان الضمير ليوسف، وسجدت الملائكة لآدم، وكان ذلك تحية ملوكهم، ولذا طلبه الأعرابي، فنهاه، وعوضنا عن تلك التحية بالسلام والمصافحة، "رواه البزار" في مسنده، وأبو نعيم في الدلائل،

<<  <  ج: ص:  >  >>