للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سكت, ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده، لو لم ألتزمه لما زال هكذا حتى تقوم الساعة حزنًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم "، فأمر به -صلى الله عليه وسلم- فدفن. ورواه الترمذي وقال: صحيح غريب.

وكذا رواه ابن ماجه والإمام أحمد من طريق الحسن عن أنس ولفظه: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب يوم الجمعة يسند ظهره إلى خشبة، فلمَّا كثر الناس قال: "ابنوا لي منبرًا"، أراد أن يسمعهم،......................................................


سكت" عن ذلك، "ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس" روح "محمد بيده" قدرته وتصرفه، وحياته ومماته، متى أراد "لو لم ألتزمه" اعتنقه وأضمه، افتعال من اللزوم، وهو عدم الفراق، ثم استعير للعناق، كما في الأساس، "لما زال هكذا" أي: له صياح وجؤار "حتى تقوم الساعة" , وفي رواية: "إلى يوم القيامة"، "حزنًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم " , قيل: وهذا على طريق المبالغة، كقوله: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} ، وإن لم يقع، فلا يشكل بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} , {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} الآية. ولا حاجة إليه، فلا مانع من بقائه على ظاهره؛ لأنه علّق بقاءه على عدم التزامه، فإذا التزمه تغير وفني، وقد علَّم الله ذلك، "فأمر به -صلى الله عليه وسلم" بعض صحبه بأخذه ودفنه، "فدفن" تحت المنبر، كما في رواية.
وفي بعض الروايات: فدفنت تحت منبره، أو جعلت في السقف، كذا في بعض نسخ الشفاء، فيحتمل أنه دفن تحت المنبر أولًا، ثم رفع في السقف، لئلَّا يداس بالأرجل، تكريمًا لأثره -صلى الله عليه وسلم، فلما هُدِمَ المسجد أخذه أُبَيّ، فكان عنده إلى أن بلي وصار رفاتًا.
قال البرقي: وإنما دفنه وهو جماد؛ لأنه صار حكمه حكم المؤمن لحبه وحنينه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، وقال غيره: لئلّا تشتغل به الناس، وربما افتتن به بعد العصر الأول، وفيه إشارة إلى أنه سينبت في الجنة، كما يأتي، "ورواه" أي: حديث أنس المذكور "الترمذي، وقال: صحيح غريب" لتفرد راويه، فيجامع الصحة، فلا تنافي، ونصَّ على صحته لبيان حاله، لا لنفي صحة غيره، وكذا رواه ابن ماجه والإمام أحمد من طريق الحسن البصري، "عن أنس، ولفظه: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب يوم الجمعة يسند ظهره إلى خشبة، هي جذع نخلة، وفيه تكرر ذلك منه؛ لأن خبر كان إذا كان مضارعًا يفيد ذلك استعمالًا، كقولهم: كان حاتم يقري الضيف.
وفي التنزيل: وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، "فلا كثر الناس، قال: "ابنوا لي منبرًا" أراد أن يسمعهم، فأرسل لامرأة من الأنصار أن مري غلامك النجار، كما في حديث سهل، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>