فبنوا له عتبتين، فتحوّل من الخشبة إلى المنبر، قال: فأخبر أنس بن مالك أنه سمع الخشبة تحنّ كحنين الواله، قال: فما زالت تحنّ حتى نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المنبر فمشي إليها, فاحتضنها فسكتت.
ورواه أبو القاسم البغوي وزاد فيه: فكان الحسن إذا حدَّث بهذا الحديث بكى ثم قال: يا عباد الله, الخشبة تحنّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شوقًا إليه لمكانه من الله، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه.
ينافي ذلك أن المشير بن تميم، وأن الرومي قال: ألا أصنع لك شيئًا، كما في الرواية قبله عن أنس؛ لأنه لما شقَّ عليه القيام على الجذع، وأراد إسماع الناس، أشار تميم بذلك، وقال له الرومي ما قال، فقال: "ابنو لي منبرًا" ثم أرسل المرأة، "فبنوا له عتبتين"، أي: درجتين، والثالثة هي التي يجلس عليها، كما في الرواية قبله، ولا يفهم من قوله: "ابنوا" وقوله: فبنوا أنه من طين؛ لأنه لم يثبت، كما قدَّمه المصنف في المقصد الأول، والذي في الصحيحين، أنه من أثقل الغابة، وهو بمثلثة شجر، كالطرفاء والغابة، بمعجمة موضع بالمدينة, "فتحوّل من الخشبة" أي: الجذع "إلى المنبر, قال" الحسن: "فأخبر أنس بن مالك، أنه سمع الخشبة تحنّ كحنين الواله، قال: فما زالت تحنّ حتى نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المنبر، فمشى إليها فاحتضنها، فسكنت، تركت صياحها لزوال همّها وحزنها بمشيه لها وضمها، "ورواه أبو القاسم" الحافظ الكبير، مسند العالم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، "البغوي" الأصل، البغدادي، الإمام الجليل، المصنف العارف، طال عمره وتفرّد في الدنيا، ومات سنة سبع عشرة وثلاثمائة عن مائة وثلاث سنين، وهو متقدِّم على محيي السنة البغوي بزمان، "وزاد فيه: فكان الحسن" البصري، "إذا حدَّث بهذا الحديث بكى، ثم قال: يا عباد الل! الخشبة" أي: الجذع, "تحنَّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شوقًا إليه" مفعول مطلق لتحنّ، كجلست قعودًا، أو مفعول له الأوّل أَوْلَى، لقوله: "لمكانه من الله، بلام التعليل، إن لم يكن بدلًا من قوله إليه، أو علة متداخلة، فشوقًا علة لتحنّ، ولمكانه علة لشوقًا، أي: إن الخشبة اشتاقت لعلوّ مقامه وجلالة قدره، وهي جماد، "فأنتم أحق" من الجماد "أن تشتاقوا إلى لقائه", وذكر ابن عطية عن أبيه: سمعت أبا الفضل الجوهري في جامع مصر يقول على سرير وعظه، سنة تسع وستين وأربعمائة: من أحبَّ أهل الخير نال من بركتهم، كلب أحب أهل الكهف وصحبهم، فذكره الله في محكم تنزيله، فالخشبة تحنّ, والكلب يحب، فهذه عبرة لأولي الألباب.