للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا حديث عائشة، فعند البيهقي وفي آخره: أنه -صلى الله عليه وسلم- خَيّرَ الجذع بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة.

وأما حديث بريدة، فعند الدارمي وفيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له حين حَنَّ: "إن شئت أن أردَّك إلى الحائط الذي كنت فيه تنبت لك عروقك ويكمل خلقك، ويجدد لك خوص وثمرة، وإن شئت أغرسك في الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك؟ " ثم أصغى له النبي -صلى الله عليه وسلم- يستمع ما يقول، فقال: بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء الله, وأكون في مكان لا أبلى فيه، فسمعه من يليه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "قد فعلت"، ثم قال: اختار دار البقاء على دار الفناء.


عبد الحميد، وبذلك جزم ابن حبان وغير واحد، ثقة، حافظ، روى عن مسلم والترمذي، مات سنة تسع وأربعين ومائتين، وكذا رواه عنه الدارمي.
"وأمَّا حديث عائشة، فعند البيهقي" في الدلائل، ولم يذكرها أولًا فيمن أجمله من الصحابة، "وفي آخره: أنه -صلى الله عليه وسلم- خَيِّرَ الجذع بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة" وفيه نوع إجمال بيته قوله.
"وأمَّا حديث بريدة، فعند الدارمي وفيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله حين حن: "إن شئت" بتاء الخطاب؛ لأنَّ الله خلق فيه إدراكًا "أن أردك إلى الحائط" أي: البستان، "الذي كنت فيه تنبت لك عروقك" بدل من أردك، أو مستأنف لبيان علة الرد إلى مكانه الذي نبت فيه، "ويكمل خلقك ويجدد ذلك خوص" بضم الخاء ورق النخل، "وثمرة" أي: يعود لك خلقتك بتمامها ونضارتها، "وإن شئت" غرسك، بالمفعول مقدر، "أغرسك في الجنة" بالجزم جواب الشرط، "فيأكل أولياء الله من ثمرك" , عطف على الجواب، فخيره بين الحياة الدنيوية والأخروية، "ثم أصغى" بمهملة فمعجمة: أمال رأسه" وقرَّبه له النبي -صلى الله عليه وسلم- يستمع ما يقول" أي: ليستمع قوله وجوابه: "فقال" الجذع: بل تغرسني في الجنة, أي: تصيرني من غراسها، فيأكل مني" أي: من ثمري "أولياء الله" المؤمنون، "وأكون في مكان لا أبلى -بفتح الهمزة: أفني وضمها خطأ "فيه" وهو الجنة كسائر أهلها وأشجارها، "فسمعه" أي: لام الجذع "من يليه" أي: الجذع أو النبي، أي: يقرب منه فسماعه لم يختص به النبي -صلى الله عليه وسلم, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "قد فعلت" بضم التاء للمتكلم، أي: جعلتك من غراس الجنة، "ثم قال" صلى الله عليه وسلم: "اختار دار البقاء" الجنة "على دار الفناء" الدنيا، بفتح الفاء والمد: الذهاب والزوال.

<<  <  ج: ص:  >  >>