للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن الأنصار جاءوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: إنه كان لنا جمل نسني عليه، وإنه استصعب علينا ومنعنا ظهره، وقد عطش النخل والزرع، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "قوموا"، فقاموا فدخل الحائط، والجمل في ناحية فمشى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحوه، فقالت الأنصار: يا رسول الله، قد صار مثل الكلب الكَلِب، وإنا نخاف عليك صولته، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ليس علي منه بأس"، فلما نظر الجمل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل نحوه حتى خَرَّ ساجدًا بين يديه، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بناصيته أذل ما كان قط،......................................


الجمل "جاءوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنه كان لنا جمل" يحتمل إن كان للدوام، وأنها للانقطاع باعتبار استصعابه وقت الشكية منه، فكأن السقاية منه انقطعت، "نسني عليه" ظاهر هذا أنه يأتي، وفي الصحاح وغيره، سننت الناقة تسنو، إذا سقت الأرض، والقوم يسنون لأنفسهم إذا سقوا، وهذا ظاهر في أنه واوي، وهو صريح قوله قبل: يسنون عليه، وهو محذوف الواو، وأصله يسنون بواوين، حذفت أولاهما لثقل الضمّة عليها، فالتقى ساكنان، فحذفت لام الكلمة، ويحتمل أن نسني واوي وأصله نسنوي، قلبت الواو ياء، ثم حذفت، لالتقاء الساكنين، "وأنه استصعب علينا ومنعنا ظهره" عطف علة على معلول، "وقد عطش النخل والزرع، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "قوموا" معي، تأنسًا وضبطًا لما يفعله في سيره، فيقوي يقينهم بمشاهدة المعجزات، ويخبرون من وراءهم بها، "فقاموا، فدخل الحائط" البستان، "والجمل في ناحية" جانب منه، "فمشى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحوه، فقالت الأنصار: يا رسول الله! قد صار مثل الكلب، بفتح، فسكون: الحيوان المعروف, "الكَلِب" بفتح، فكسر، أي: العقور الذي أصابه داء، كالجنون من أكل لحم الإنسان ونحوه، "وإنا نخاف عليك صولته" سطوته ووثوبه، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ليس علي منه بأس" شدة وضرر لمنع الله له ذلك، "فلمَّا نظر الجمل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل نحوه حتى خَرّ ساجدًا", أي: واضعًا مشفره بالأرض، باركًا "بين يديه" كما في رواية, وهي مبينة لسجوده؛ إذ السجود الحقيقي لا يتأتَّى من الجمل، "فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بناصيته، أذلَّ" حال من الضمير المضاف لناصيته، مأخوذ من الذل -بالكسر، الانقياد لا بضمها الذي هو ضد العز، "ما كان قط" أي: حالة كونه منقادًا انقيادًا لم يسبق له مثله في زمن من الأزمنة الماضية، واستعمال قط غير مسبوقة بنفي أثبتها ابن مالك في الشواهد، قال: وهي مما خفي على كثير من النحاة لمجيئها بعد المثبت في مواضع من البخاري، منها: في الكسوف أطول صلاة صليتها قط، وفي أبي داود: توضأ ثلاثًا قط، وفي حديث حارثة بن وهب: صلَّى بنا النبي -صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>