للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم, فنودي بالصلاة جامعة، ثم خرج فقال للأعرابي: "أخبرهم" فأخبرهم.


من ذلك" وفي رواية: أنا أخبرك بأعجب من كلامي، قال: وماذا أعجب؟ قال: "محمد بيثرب" اسم المدينة المنورة قديمًا، وصحَّ النهي عن تسميتها به، "يخبر الناس بأنباء ما قد سبق" من الأمم السابقة وأحوالهم, وعَبَّر عن الأمم بما ليشمل ما وقع لغير العقلاء، كانفلاق البحر، وناقة صالحة، وإنما كان أعجب؛ لأن الإخبار بالغيب معجز، فهو أعجب من نطق حيوان، أنطقه من أنطق كل شيء، لكن ليس العجب واقعًا على مجرَّد إخباره بذلك، بل على جحدهم وتكذيبهم له, مع ظهور الآيات البينات على يديه، كما جاء في بعض طرق الحديث، مما ساقه في الشفاء وغيره، فقال: ألا أخبرك بأعجب من كلامي, رسول الله في النخلات بين الحجرتين يحدّث الناس عن نبأ سبق وما يكون بعد ذلك؟ وفي لفظ: يدعو الناس إلى الهدى وإلى الحق وهم يكذبونه، "قال" أبو سعيد: "فأقبل الراعي يسوق غنمه" المملوكة، ففي رواية: كان يرعى غنمًا له، "حتى دخل المدينة فزواها،" براي منقوطة "إلى زاوية من زواياها" أي: المدينة، "ثم أتى -صلى الله عليه وسلم، فأخبره", وقد اختلف في اسم مكلِّم الذئب المذكور، فقيل: أهبان بن أوس، وقيل: سلمة بن الأكوع، وأنه صاحب هذه القصة، وكانت سبب إسلامه، وقيل: أهبان بن الأكوع عن سلمة، وقيل: أهبان بن الأكوع بن عبّاد الخزاعي، وقيل: رافع بن ربيعة، وقيل: أهبان بن صيفي، وقيل: رافع بن عميرة الطائي، فإن كانت القصة تعدَّدت، فلا خلف، قال ابن عبد البر وغيره: كلّم الذئب ثلاثة من الصحابة: رافع بن عميرة، وسلمة بن الأكوع، وأهبان بن أوس، وروى البخاري في تاريخه، وأبو نعيم في الدلائل، عن أهبان بن أوس قال: كنت في غنم لي، فشدَّ الذئب على شاة منها، فصحت عليه، فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني، وقال: من لها يوم تشتغل عنها، تمنعني رزقًا رزقنيه الله تعالى، فصفقت بيدي وقلت: والله ما رأيت شيئًا أعجب من هذا، فقال: أعجب من هذا رسول الله بين هذه الخلات، يدعو إلى الله، فأتيت إليه وأخبرته وأسلمت، قال البخاري: إسناده ليس بالقوي، قال الحافظ: لأن فيه عبد الله بن عامر الأسلمي، وهو ضعيف.
"فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم, فنودي بالصلاة جامعة،" بنصبهما على الحكاية، والأول إغراء، والثاني حال، ويجوز رفعهما على الابتداء والخبر، ونصب الأول، ورفع الثاني, وعكسه, قاله السيوطي وغيره في قول البخاري: باب النداء بالصلاة جامعة، ثم خرج من المحل الذي كان فيه حين أخبره الراعي، "فقال للأعرابي: "أخبرهم" بما شاهدته ليسرّوا ويزداد إيمانهم "فأخبرهم", وقضية سياقه أن الأمر بذلك كان عقب إخباره وليس بمراد، فالفاء للتعقيب مع التراخي كتزوج،

<<  <  ج: ص:  >  >>