للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا أنه جرى لأبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية مع ذئب وجداه أخذ ظبيًا، فدخل الظبي الحرم, فانصرف الذئب عنه, فعجبا من ذلك, فقال الذئب: أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار، فقال أبو سفيان: واللات والعزّى، لئن ذكرت هذا بمكة لتتركنّها خلوفًا - بضم الخاء المعجمة, أي: فاسدة متغيّرة، يعني: يقع الفساد والتغيّر في أهلها.


هذا" المذكور من كلام الذئب، "أنه جرى لأبي سفيان بن حرب" بدل من مثل هذا، "وصفوان بن أمية" قبل إسلامهما "مع ذئب وجداه أخذ ظبيًا" أي: أراد أخذه، فجرى خلفه من الحل ليأخذه, بقرينة قوله: "فدخل الظبي الحرم، فانصرف الذئب عنه؛ لأنه في الحرم المحرم صيده، أو أنه انفلت منه بعد أخذه، "فعجبا من ذلك" أي: من كون الذئب عرف حرمة الحرم، وكفَّ عن صيد أمكنه، وليس من العقلاء، "فقال الذئب" لما سمع تعجبهما، أو علمه من حالهما، "أعجب من ذلك" الفعل الواقع مني، "محمد بن عبد الله" كائن "بالمدينة يدعوكم إلى الجنة" بدعائه إلى الإسلام المقتضي لدخولها، "وتدعونه إلى النار" بقولكم: لم لا توافقنا وتعبد آلهتنا, مما هو سبب للخلود فيها، وكان هذا أعجب لمخالفته لما يقتضيه العقل، ونطق حيوان أعجم بقدرة الله وإقداره ليس بعجيب في النظر السديد والعقل السليم، وليس بأعجب من عبادة الحجارة، فقال أبو سفيان: واللات والعزَّى لئن ذكرت" بضم التاء، أي: أنا، وبفتحها، أي: أنت يا صفوان "هذا" الذي قاله الذئب في شأن محمد بمكة لأهلها لتتركنَّها خلوفًا -بضم الخاء المعجمة واللام، وإسكان الواو وفاء، "أي: فاسدة متغيرة، يعني: يقع الفساد والتغيّر في أهلها" بإسلامهم, فيغير دينهم الذي يزعمون أنه حق، وهو ضلال باطل من خلف، بمعنى تغيّر، كقوله -صلى الله عليه وسلم: "لخلوف فم الصائم" أي: تغيّر ريحه، وقيل معناه: خالية من أهلها، بأن يسلموا ويهاجروا؛ إذ من سمع ذلك لا يتردد في صحة رسالته وسعادة متبعه، من قولهم: أتيت الحي فوجدته خلوفًا، أي: ليس فيه أحد من الرجال بل النساء، ويقال لهن الخوالف كما في التنزيل؛ لأنهن يخلفن الرجال، وما اقتصر عليه المصنف أظهر؛ لأن الفساد الذي زعموه لا يختص بالرجال، بل عندهم كل م أسلم فسد دينه، رجلًا كان أو امرأة.

<<  <  ج: ص:  >  >>