للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فغمزه وتكلم بشيء لا أدري ما هو، وقال: "ناد بجفنة الركب". فأتيت بها فوضعتها بين يديه، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بسط يده في الجفنة وفرق أصابعه وصب عليه جابر، وقال: بسم الله، قال فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، ثم فارت الجفنة واستدارت حتى امتلأت وأمر الناس بالاستقاء فاستقوا حتى رووا، فقلت: هل


وهمزة: فم القربة الأسفل أو مصب الماء من الراوية، مضاف إلى "شجب" بفتح المعجمة، وحكي كسرها، ولا يصح سكون الجيم وموحدة، أي: فم قربة معلقة بعود أو بالية، فالشجب عود يعلق عليه القرب والثياب والأواني بالماء على الصحيح، وقيل: ما قدم من القرب، "فأتي" بالبناء للمفعول، والفاعل "به النبي صلى الله عليه وسلم، فغمزه" بفتح، المعجمة والميم، والزاي: عصره وحركه، أو وضع يده عليه وكبسه بها، "وتكلم بشيء لا أدري ما هو" كأنه سر من أسرار الله، تكلم به بالسريانية ونحوها ليخفى على غيره، كذا قال بعض أو بالعربية، وأسره فلم يدره جابر، "وقال: "ناد بجفنة" كقصعة لفظًا ومعنى: إناء يشبع عشرة فأكثر، ودونها الصحفة تشبع خمسة، ثم الماكلة تشبع الرجلين والثلاثة، ثم الصحيفة مصغر تشبع الواحد، وقيل: الجفنة كالصحفة، وقيل: أعظم منها، "الركب" بزيادة الباء أو بتضمين ناد معنى صح أو ائت، بدليل قوله: "فأتيت بها فوضعتها بين يديه" بالبناء للمفعول؛ كما قاله البرهان وغيره، وقيل: مفعول ناد محذوف، أي: ناد القوم يؤتوا بجفنة أو نزلها منزلة العاقل؛ لأن الله خلق فيها إدراكًا حتى تنادي هي، ثم ظاهره أن الركب كان لهم جفنة معينة يستعملونها في حوائجهم، أو يضعون فيها الطعام، ويجتمعون عليها عند الأكل مثلا، وهذا مقتضى الإضافة.
وقد علمت أن لفظ مسلم: "ناد بجفنة". فقلت: يا جفنة الركب، ولا منافاة لجواز أن المراد بها الجفنة المخصوصة، فالتنوين عوض عن المضاف إليه، أو على حقيقته؛ لأنه جوز أن يكون معهم غيرها، فأراد، أي: جفنة كانت.
"وذكر" جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم بسط" بالسين والصاد، وبهما قرئ، أي: وضع "يده في الجفنة" مبسوطة، ليكون أبرك، "وفرق أصابعه، وصب عليه جابر، وقال" جابر: "بسم الله" كما أمره بها، وزعم أن فاعل قال النبي صلى الله عليه وسلم بعيد، بل يخالفه لفظ مسلم المار. "قال" جابر: "فرأيت الماء يفور" يزيد ويرتفع حتى يتدفق، "من بين أصابعه" عليه الصلاة والسلام، "ثم فارت الجفنة" أي: ارتفع ماؤها، فالمضاف مقدر، وإسناد مجازي للمبالغة في فورانه، "واستدارت" أي: دارت، كما هو لفظ مسلم، أي: دار الماء فيها من تسمية الحال باسم المحل؛ لأن الماء إذا زاد بسرعة يرى كأنه يدور، وقيل: الجفنة نفسها دارت لعظم الأمر وشرف الموضع، فاهتزت واضطربت، وتتابعت حركاتها، "حتى امتلأت" قال بعض: ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>