للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء غدًا إن شاء الله". فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى ابهارّ الليل -أي ابيض- فمال عن الطريق فوضع رأسه ثم قال: "احفظوا علينا صلاتنا".


أربع وخمسين على الأصح الأشهر، "قال: خطبنا" وعظنا "رسول الله صلى الله عليه وسلم" في سفر؛ كما دل عليه السياق، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: أن ذلك كان حين قفل من غزوة خيبر، "فقال" في خطبته: "إنكم تسيرون عشيتكم" أي: بقية يومكم، فالعشية كالعشي: آخر النهار؛ كما في القاموس، وفي المصباح: ما بين الزوال إلى الغروب، "وليلتكم" التي تلبه "وتأتون الماء غدًا إن شاء الله تعالى" تبركًا، وامتثالا للآية، "فانطلق الناس لا يلوي" لا يعطف "أحد على أحد" لاشتغال كل منهم بنفسه، "فبينا" بلا ميم "رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى ابهار" بالموحدة، وتشديد الراء "الليل، أي: ابيض" كذا فسره المصنف، والذي للسيوطي، أي: انتصف، وفي مقدمة الفتح، قيل: انتصف أو ذهب معظمه، إذ بهرة كل شيء أكثره وفي القاموس: ابهار الليل: انتصف، أو تراكمت ظلمته، أو ذهبت عامته، أو بقي نحو ثلثه، فلم يذكروا تفسيره بالبياض؛ كما فعل المصنف، بل في الصحاح والقاموس؛ إنما ذكرا البياض صفة للقمر لا لليل، ولفظ القاموس: بهر القمر، كمنع غلب ضوءه ضوء الكواكب.
ولفظ مسلم: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى ابهار الليل، وأنا إلى جنبه، فنعس، فمال على راحلته، فأتيته فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته، ثم سار حتى ابهار الليل مال عن راحلته، فدعمته من غير أن أوقظه، حتى اعتدل على راحلته، ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشد من الميلتين الأوليين حتى كاد ينحفل، فأتيته فدعمته، فرفع رأسه، فقال: "من هذا"؟، قلت: أبو قتادة، قال: "متى كان هذا مسيرك مني"؟ قلت: ما زال هذا مسيري منذ الليلة، قال: "حفظك الله بما حفظت به نبيه"، ثم قال: "هل ترانا نخفي على الناس"، ثم قال: "هل ترى من أحد"؟. قلت: هذا راكب، ثم قلت: هذا راكب آخر حتى اجتمعنا، فكنا سبعة ركب، قال: "فمال" رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: عدل "عن الطريق" فحذف المصنف هذا من الحديث لعدم غرضه فيه، إذ غرضه منه إنما هو تكثير الماء، لكن صار سياقه يقتضي أن عدوله ونومه كان عند انتصاف الليل، مع أنه إنما كان عند السحر، "فوضع رأسه" أي: نام، ثم قال: "احفظوا علينا صلاتنا" بأن تنبهونا قبل خروج وقتها، وفي البخاري عن أبي قتادة ذكر سبب نزوله سؤال بعض القوم ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: "أخاف أن تناموا عن الصلاة" فقال بلال: أنا أوقظكم.
وفي حديث أبي هريرة عند مسلم، وقال لبلال: "اكلأنا الليل"، فصلى بلال ما قدر له ونام صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه، فلما قارب الفجر استند بلال إلى راحلته، مواجه الفجر، فغلبت بلالا

<<  <  ج: ص:  >  >>