للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه، فأطعمه شطر وسق من شعير، فما زال يأكل منه وامرأته وضيفه حتى كاله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: "لو لم تكله لأكلتم منه ولقام بكم"، رواه مسلم أيضًا.

والحكمة في ذهاب بركة السمن حين عصرت العكة، وإعدام الشعير حين كاله، أن عصرها وكيله مضاد للتسليم والتوكل على رزق الله تعالى، ويتضمن التدبير والأخذ بالحول والقوة، وتكلف الإحاطة بأسرار حكم الله وفضله، فعوقب فاعله بزواله، قاله النووي.


فقال: "قد جاءت بها" فقلت: والذي بعث بالهدى ودين الحق إنها ممتلئة سمنًا تقطر، فقال: "أتعجبين يا أم سليم، إن الله أطعمك".
"وعنه" أي: جابر "أن رجلا" من أهل البادية لم يسم، "أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه" يطلب منه طعامًا له ولأهله لشدة حاجته، "فأطعمه" أي: أعطاه؛ لأن الإطعام يكون بمعنى الإعطاء كثيرًا، حتى إنه لكثرته يستعمل فيما لا يؤكل، كأطعمة السلطان بلدة، وهو مجاز مرسل، أو استعارة. "شطر" بفتح أوله، ولا يصح الكسر، أي: نصف "وسق" بفتح الواو وكسرها "من شعير" وقال النووي: الشطر هنا معناه شيء، كذا فسره الترمذي، "فما زال يأكل منه وامرأته" بالرفع، عطف على الضمير المستتر في يأكل بلا فصل بمؤكد، بل بقوله: منه، وهو فصيح، والأفصح الفصل؛ كقوله: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ، وقد يعطف بلا فاصل، وهو قليل؛ كقول علي: لو كنت، وأبو بكر، وعمر، "وضيفه" أي: من ينزل عليه يطلق على الواحد وغيره، "حتى كاله" غاية، أي: استمر أكلهم منه بلا نقص شيء منه إلى أن كاله فظهر نقصه بعد الكيل بما يأخذه منه، قال بعض: وهذا الرجل جد سعيد بن الحارث استعان بالنبي صلى الله عليه وسلم في إنكاحه فأنكحه امرأة، فالتمس صلى الله عليه وسلم ما سأله، فلم يجد، فبعث أبا رافع وأبا أيوب بدرعه فرهنها عند يهودي في شطر وسق من شعير، فدفعه صلى الله عليه وسلم إليه، قال: "فأطعمنا منه"، وأكلنا منه سنة، ثم كلناه، فوجدناه كما أدخلناه، "فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: "لو لم تكله لأكلتم منه" دائمًا ما يكفيكم "ولقام بكم" مدة حياتكم من غير نقص، "رواه مسلم أيضًا" من طريق أبي الزبير عن جابر.
"والحكمة في ذهاب السمن حين عصرت" أم مالك "العكة وإعدام الشعير حين كاله" الرجل "أن عصرها، وكيله مضاد" كل منهما "للتسليم والتوكل على رزق الله تعالى، ويتضمن التدبير والأخذ بالحول والقوة، وتكلف الإحاطة بأسرار حكم" جمع حكمة "الله وفضله، فعوقب فاعله بزواله، قاله النووي" على مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>