للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجميع ما ظهر على الرسل عليهم الصلاة والسلام سواه من الأنوار فإنما هو من نوره الفائض ومدده الواسع من غير أن ينقص منه شيء.

وأول ما ظهر ذلك في آدم عليه السلام، حيث جعله الله تعالى خليفة وأمده بالأسماء كلها من مقام جوامع الكلم التي لمحمد صلى الله عليه وسلم فظهر بعلم الأسماء كلها على الملائكة القائلين: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: ٣٠] ، ثم توالت الخلائف في الأرض


عليه كتبهم من كمالاته وفضائله، "فجميع ما ظهر على يد الرسل عليهم الصلاة والسلام سواه من الأنوار، فإنما هو من نوره الفائض الكثير الذي عم المشارق والمغارب، "ومدده الواسع من غير أن ينقص منه شيء" فيكون ذلك كنور السراج إذا أوقد من نحو شمعة فنورها لم ينقص منه شيء، ونور السراج نشأ عن نورها مع بقاء نورها بمحله، لكن قد يشكل ما قدمه المصنف أول الكتاب، أن نوره صلى الله عليه وسلم قسم أجزاء، وأنه قسم الجزء الرابع إلى كذا وكذا، إلا أن يكون المراد بقوله: قسم زاد فيه، لا أنه قسم نفس النور الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الظاهر أنه حيث صور نوره بصورة روحانية مماثلة لصورته التي يصير عليها بعد لا يقسمه إليه وإلى غيره.
"وأول ما ظهر ذلك في آدم عليه السلام، حيث جعله الله تعالى خليفة" عنه في تنفيذ أوامره ونواهيه في الأرض، لا لحاجة به تعالى إلى من ينوب، بل لقصور المستخلف عليه عن قبول فيضه وتلقي أمر بلا واسطة، "وأمده بالأسماء"، أي: أسماء المسميات "كلها" حتى القصعة والمغرفة؛ بأن ألقى علمها فيقلبه "من مقام جوامع الكلم التي لمحمد صلى الله عليه وسلم، فظهر بعلم الأسماء كلها على الملائكة القائلين: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} بالمعاصي {وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} يريقها بالقتل، كما فعل بنو الجان وكانوا فيها، فلما أفسدوا، أرسل الله إليهم الملائكة فطردوهم إلى الجزائر والجبال، "ثم توالت الخلائف في الأرض" أي: تتابعت الرسل بعد آدم وجعل الكلا خلائف، لأن استخلفهم كلهم في عمارة الأرض، والمشهور أن خليفة الله إنما يطلق على آدم وداود لنص القرآن: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} الآية، {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} الآية، فأما غيرهما فلا, فقد قال رجل لأبي بكر الصديق: يا خليفة الله، فقال: أنا خليفة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا راض بذلك، وقال رجل لعمر: يا خليفة الله! فقال: ويلك، وزجره، وقيل: يجوز إطلاق ذلك على غيرهما أيضًا لقيامه بحقوقه في خلقه، ولقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ} الآية، ولأن الله جعل كلا خليفة، كما جعله سلطانًا، فقد سمع سلطان الله، وجنود الله، وحزب الله، لكن قال الماوردي: امتنع جمهور العلماء من ذلك، ونسبوا قائله إلى الفجور، وفي المصباح:

<<  <  ج: ص:  >  >>