للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أن وصل إلى زمان وجود صورة جسم نبينا صلى الله عليه وسلم الشريف لأظهار حكم منزلته، فلما برز كان اندرج في نوره كل نور، وانطوى تحت منشور آياته كل آية لغيره من الأنبياء، ودخلت الرسالات كلها في صلب نبوته، والنبوات كلها تحت لواء رسالته، فلم يعط أحد منهم كرامة أو فضيلة إلا وقد أعطي صلى الله عليه وسلم مثلها.

فآدم عليه الصلاة والسلام أعطي أن الله خلقه بيده، فأعطي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم شرح صدره، تولى الله شرح صدره بنفسه، وخلق فيه الإيمان والحكمة، وهو الخلق النبوي، فتولى من آدم الخلق الوجودي ومن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الخلق النبوي، مع أن المقصود -كما مر- من خلق آدم خلق نبينا في صلبه، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المقصود وآدم الوسيلة، والمقصود سابق على الوسيلة.


والخليفة بمعنى السلطان الأعظم، يجوز أن يكون فاعلا، لأنه خلف من قبله، أي: جاء بعده، ويجوز أن يكون مفعولا، لأن الله جعله خليفة، أو لأنه جاء بعد غيره "إلى أن وصل" حال الخلائف، وهو ما جاءوا به من الأحكام والشرائع، "إلى زمان وجود صورة: جسم نبينا صلى الله عليه وسلم الشريف" صفة لجسم أو نبينا، "لإظهار حكم منزلته" أي: مقدارها وشرفها عند الله، "فلما برز" ظهر "اندرج في نوره كل نور" لغلبته عليه، "وانطوى تحت منشور آياته كل آية لغيره من الأنبياء، ودخلت الرسالات كلها في صلب نبوته، والنبوات كلها تحت لواء" علم "رسالته، فلم يعط أحد منهم كرامة أو فضيلة إلا وقد أعطي صلى الله عليه وسلم مثلها" فجمع فيه ما فرق فيهم، وهذه خصوصية مع زيادته عليهم، ولما ذكر أن الله جمع له عليه السلام خصائص الأنبياء وزاده عليهم فضل بعض ذلك، وهو في غالبه تابع، لأن المنير في معراجه، فقال: "فآدم عليه الصلاة والسلام أعطي أن الله خلقه بيده" من أديم الأرض، أي: وجهها بأن قبض منها قبضة من جميع ألوانها، وعجنت بالمياه المختلفة وسواه، ونفخ فيه الروح، فصار حيوانًا حساسًا بعد أن كان جمادًا، "فأعطي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم شرح صدره، تولى الله شرح صدره بنفسه" أي: ذاته، وفي إطلاق النفس على الله خلاف والأصح الجواز، "وخلق فيه الإيمان والحكمة، وهو الخلق النبوي، فتولى من آدم الخلق الوجودي، ومن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الخلق النبوي.
زاد ابن المنير: وهو بالحقيقة متولي كل خلق، لكن المراد تخصيص التشريف وهو أعلى، "مع أن المقصود، كما مر" من قوله تعالى لآدم: "لولاه ما خلقتك"، "من خلق آدم خلق نبينا في صلبه فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المقصود وآدم الوسيلة، والمقصود سابق على الوسيلة" فلا شك في أنه أجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>