للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسلام منه الأعلى، بمفهوم قوله عن نفسه: "إنما كنت خليلا من وراء وراء، فلم يشفع وفيه دليل على أنه إنما يشفع من كان خليلا لا من وراء وراء، بل مع الكشف والعيان وقرب المكانة من حظيرة القدس، لا المكان، وذلك مقام محمد صلى الله عليه وسلم بالدليل والبرهان.

ومما أعطيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وانفراده في الأرض بعبادة الله وتوحيده، والانتصاب للأصنام بالكسر والقسر، أعطي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كسرها بمحضر من أولي نصرها بقضيب ليس مما يكسر إلا بقوة ربانية ومادة إلهية، اجتراء فيها بالأنفاس من الفاس، وما عول على المعول، لا عرض في القول ولا تمرض من الصول بل قال جهرًا بغير سر: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: ٨١] .

ومما أعطيه الخليل عليه الصلاة والسلام بناء البيت الحرام، ولا خفاء أن البيت


أنه إنما يشفع من كان خليلا لا من وراء وراء، بل مع الكشف والعيان وقرب المكانة من حظيرة القدس لا المكان" لاستحالته عليه تعالى: "وذلك مقام محمد صلى الله عليه وسلم بالدليل والبرهان" وهذا ساقه كله ابن المنير في المعراج، والله المستعان.
"ومما أعطيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام انفراده في الأرض بعبادة الله، وتوحيده، والانتصاب للأصنام بالكسر والقسر" بفتح القاف، وسكون السين، وبالراء: القهر والغلبة، "أعطي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كسرها بمحضر من أولي نصرها" وهم أذلاء لا يستطيعون نصرها "بقضيب ليس مما يكسر إلا" بمعنى، لكن "بقوة ربانية ومادة إلهية، اجتراء" أي: اكتفاء "فيها بالأنفاس من الفاس وما عول على المعول" كما فعل إبراهيم حيث علقه في عنق كبيرهم الذي تركه لعلهم إليه يرجعون، "ولا عرض في القول" كتعريض إبراهيم بقوله: بل فعله كبيرهم هذا، "ولا تمرض من الصول" أي: لم يظهر مرضًا لأجل الصول على تلك الأصنام، كما فعل إبراهيم، حيث قال: إني سقيم، اعتذارًا عن عدم خروجه معهم إلى عيدهم، وجعل ذلك، وسيلة إلى كسر الأصنام في غيبتهم، "بل قال جهرًا بغير سر" زيادة إطناب، {َقُلْ} عند دخول مكة {جَاءَ الْحَقُّ} الإسلام، {وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} بطل الكفر، {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} مضمحلا زائدًا، وقد دخلها صلى الله عليه وسلم وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول ذلك حتى سقطت، رواه الشيخان، وتقدم بسطه في فتح مكة.
"ومما أعطيه الخليل عليه الصلاة والسلام بناء البيت الحرام" الذي بوأه الله له، "ولا خفاء أن البيت جسد" تشبيه بليغ، "وروحه الحجر الأسود، بل هو سويداء القلب، بل

<<  <  ج: ص:  >  >>