للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "إنما كنت خليلا من وراء وراء" اذهبوا إلى غيري إلى أن تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها، أنا لها"، وهذا يدل على أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان خليلا مع رفع الحجاب وكشف الغطاء ولو كان خليلا من وراء لاعتذر كما اعتذر إبراهيم عليه الصلاة والسلام, وفيه تنبيه ظاهر على أنه عليه الصلاة والسلام فاز برؤية الحق سبحانه وتعالى وكشف له الغطاء حتى رأى الحق بعيني رأسه، كما سيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى في المقصد الخامس.

والملخص من هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم نال درجة الخلة التي اشتهرت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام على وجه نطق إبراهيم بأن نصيب سيدنا محمد عليه الصلاة


فصل القضاء، "قال: إنما كنت خليلا من وراء وراء" ضبط بفتح الهمزة وضمها بلا تنوين، فيهما بناء، قال النووي: الفتح أشهر، ومعناه: لم أكن في التقرب والإدلال بمنزلة الحبيب، وقال صاحب التحرير: هذه كلمة تقال على وجه التواضع، قاله في البدور، وقيل: مراده أن الفضل الذي أعطيه كان بسفارة جبريل، ولكن ائتوا موسى الذي كلمه الله بلا واسطة، وكرر وراء إشارة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حصلت له الرؤية والسماع بلا واسطة، فكأنه قال: أنا من وراء موسى الذي هو من وراء محمد، حكاه المصنف فيما يأتي قائلا: وراء بفتح الهمزة بلا تنوين، ويجوز البناء على الضم للقطع عن الإضافة نحو من قبل ومن بعد، واختاره أبو البقاء.
قال الأخفش: يقال لقيته من وراء بالضم، ثم قال: ويجوز فيها النصب والتنوين جوازًا جيدًا، قاله أبو عبد الله الأبي. "اذهبوا إلى غيري" فيذهبون إلى موسى وعيسى إلى أن تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: "أنا لها أنا لها" بالتكرير، وصرفوا عن الإتيان له ابتداء، مع أنه صاحبها إذاعة لفضله على رءوس الخلائق، "وهذا يدل على أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان خليلا مع رفع الحجاب" عنه، "وكشف الغطاء" له، "ولو كان خليلا من وراء وراء لاعتذر، كما اعتذر إبراهيم عليه الصلاة والسلام وفيه تنبيه ظاهر على أنه عليه الصلاة والسلام فاز برؤية الحق سبحانه وتعالى، وكشف له الغطاء" ليلة الإسراء، "حتى رأى الحق" رؤية بصرية "بعيني رأسه"على المذهب المشهور، وقال به ابن عباس نفيا لمن قال بعيني قلبه، وإذا جوزه العقل، وشهد به النقل لم يبق للاستبعاد موقع ولا للإنكار موضع، "كما سيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى في المقصد الخامس، والملخص من هذا؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نال درجة الخلة التي اشتهرت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام" بقوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} الآية، "على وجه نطق إبراهيم؛ بأن نصيب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام منه الأعلى، بمفهوم قوله عن نفسه: إنما كنت خليلا من وراء وراء، فلم يشفع وفيه دليل على

<<  <  ج: ص:  >  >>