وقال السهروردي: لا تعتقد أن الغين حالة نقص، بل هو كمال، أو تتمة كمال ثم مثل ذلك بجفن العين، حين يسيل ليدفع القذى عن العين، مثلا فإنه يمنعها من الرؤية، فهو صورة نقص من هذه الحيثية، وفي الحقيقة هو كمال هذا محصل كلامه بعبارة طويلة، قال: فهكذا بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة للأغيرة الثائرة من أنفاس الأغيار، فدعت الحاجة إلى الستر على حدقة بصيرته صيانة لها ووقاية عن ذلك، انتهى. وقد استشكل وقوع الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم وهو معصوم، والاستغفار يستدعي وقوع معصية، وأجيب بأجوبة منها ما تقدم في تفسير الغين، ومنها قول ابن الجوزي: هفوات الطباع البشري لا يسلم منها أحد، والأنبياء وإن عصموا من الكبائر لم يعصموا من الصغائر، كذا قال وهو مفرع على خلاف المختار، والراجح من عصمتهم من الصغائر أيضًا، ومنها قول ابن بطال: الأنبياء أشد الناس اجتهادًا في العبادة لما أعطاهم الله من المعرفة، فهم دائبون في شكره، معترفون له بالتقصير، انتهى. ومحصل جوابه؛ أن الاستغفار من التقصير في أداء الحق الواجب له تعالى، ويحتمل أن يكون لاشتغاله بالأمور المباحة من أكل، أو شرب، أو جماع، أو نوم، أو راحة، أو مخاطبة الناس والنظر في مصالحهم، ومحاربة عدوهم تارة ومداراته أخرى، وتأليف المؤلفة، وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله والتضرع إليه، ومشاهدته ومراقبته، فيرى ذلك ذنبًا بالنسبة إلى المقام العلي، وهو الحضور في حظيرة القدس، ومنها أن استغفاره تشريع لأمته أو من ذنوبهم، فهو كالشفاعة لهم، وقال الغزالي: كان صلى الله عليه وسلم دائم الترقي، فإذا ارتقى إلى حال رأى ما قبلها ذنبًا، فاستغفر من احال السابق، وهذا مفرع على أن العدد المذكور في استغفاره كان مفرقًا بحسب تعدد الأحوال، وظاهر ألفاظ الحديث يخالف ذلك، إذ ليس فيها ما يدل على افتراق واجتماع. ا. هـ. وقد اقتصر المصنف في هذا القسم على ما ذكره وزاد عليه غيره فيه أكثر مما ذكر.