للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزادها شرفًا، فأعلم إنه لما أنشأ سبحانه وتعالى العالم على غاية من الإتقان، وأبرز جسد نبينا صلى الله عليه وسلم للعيان، وظهرت عنايته بأمته الإنسانية، بحضوره وظهوره فيها، وإن كان العالم الإنساني والناري كله أمته، ولكن لهؤلاء خصوص وصف، فجعلهم خير أمة أخرجت للناس، وجعلهم ورثة الأنبياء، وأعطاهم الاجتهاد في نصب الأحكام، فيحكمون بما أدى إليه اجتهادهم.

وكل من دخل في زمان هذه الأمة من الأنبياء عليهم السلام بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، كعيسى عليه السلام.


"وزادها شرفًا" والمراد أمة الإجابة، "فاعلم أنه لما أنشأ سبحانه وتعالى العالم على غاية من الإتقان، وأبرز جسد نبينا" أي: شخصه، وهو الصورة التي يرى عليها "صلى الله عليه وسلم للعيان" بكسر العين، "وظهرت عنايته" رعايته واهتمامه "بأمته الإنسانية" بمعاملته لهم معاملة من يريد نفع غيره، "بحضوره وظهوره فيها" عطف تفسير، "وإن كان العالم الإنساني والناري" أي: عالم الجن "كله أمته" لبعثه إليهم إجماعًا، "ولكن لهؤلاء" أي العالم الإنساني "خصوص وصف" من إضافة الصفة للموصوف، أي: وصف خاص بهم لا يتجاوزهم إلى غيرهم وهو الخيرية المشار إليها بقوله: {فَجَعَلَهُمْ} جواب لم دخلت عليه الفاء على قلة، أو هو عطف على مقدر، أي: لما أنشأ العالم على ما ذكر، وخص الأمة المحمدية بصفة زائدة، ميزهم على غيرهم، وفضلهم فجعلهم {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} الآية وجعلهم ورثة الأنبياء؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم"، رواه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم، وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما.
وأما خبر: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"، فقال الحافظ، ومن قبله الدميري والزركشي: لا أصل له، وسئل عنه الحافظ العراقي، فقال: لا أصل له، ولا إسناد بهذا اللفظ، ويغني عنه: "العلماء ورثة الأنبياء"، وهو صحيح، وأخرج ابن عدي وأبو نعيم والديلمي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "العلماء مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء, وورثتي وورثة الأنبياء". "وأعطاهم الاجتهاد في نصب الأحكام" من الكتاب والسنة وغيرهما، "فيحكمون بما أدى إليه اجتهادهم" ويؤجرون ولو أخطئوا فيه، ولعل هذين من عطف بعض الأسباب على المسبب؛ لأن كونهم ورثة الأنبياء وإعطاءهم الاجتهاد من أسباب الخيرية المبينة في الآية بقوله: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الآية، وكان هذا هو الحامل على إدخال الأمرين في الخيرية، "وكل من دخل في زمان هذه الأمة من الأنبياء عليهم السلام بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، كعيسى عليه السلام"، فإنه حين ينزل من هذه الأمة اتفاقًا مع بقائه على نبوته، بل ذهب جمع من العلماء إلى أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>