للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو على تقدير دخوله كالخضر، فإنه لا يحكم في العالم إلا بما شرعه محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة، فإذا نزل سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام فإنما يحكم بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم بإلهام أو اطلاع على الروح المحمدي، أو بما شاء الله تعالى


صحابي لاجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو حي، مؤمنًا ومصدقًا، وكان اجتماعه به مرات في غير ليلة الإسراء.
روى ابن عساكر عن أنس: قلنا يا رسول الله! رأيناك صافحت شيئًا ولا نراه؟ قال: "ذاك أخي عيسى ابن مريم، انتظرته حتى قضى طوافه، فسلمت عليه".
وروى ابن عدي عن أنس: بينا نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ رأينا بردًا ويدًا، فقلنا: يا رسول الله! ما هذا البرد الذي رأينا واليد؟ قال: "قد رأيتموه"؟ قلنا: نعم، قال: "ذاك عيسى ابن مرين سلم عليّ"، "أو على تقدير دخوله، كالخضر" على أنه نبي، وإلياس على أنهما باقيان، "فإنه لا يحكم في العالم إلا بما شرعه محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة" لا بشرائعهم التي كانت قبله، "فإذا نزل سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام، فإنما يحكم بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم" ويكون وصولها إليه "بإلهام" بأحكامها، "أو اطلاع على الروح المحمدي" فيخبره بشريعته، "أو بما شاء الله تعالى" من استنباطه لها من الكتاب والسنة ونحو ذلك، وقد سئل السيوطي بأي طريق تصل أحكام شريعتنا إلى عيسى، فأجاب بأن الأنبياء كانوا يعلمون في زمانهم بجميع شرائع من قبلهم، ومن بعدهم بالوحي من الله على لسان جبريل وبالتنبيه على بعض ذلك في الكتاب الذي أنزل عليهم وبأن عيسى ينظر في القرآن، فيفهم منه جميع أحكام هذه الملة من غير احتياج إلى مراجعة الأحاديث؛ كما فهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من القرآن، فإنه قد أنطوى على جميع أحكام الشريعة وفهمها نبينا بفهمه الذي اختص به، ثم شرحها لأمته في السنة، وإفهام الأمة تقصر عن إدراك ما أدركه صاحب النبوة، وعيسى نبي، فلا بد أن يفهم من القرآن كفهم النبي صلى الله عليه وسلم، وبأن عيسى معدود في الصحابة لأنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم غير مرة، فلا مانع أنه تلقى منه أحكام شريعته المخالفة لشريعة الإنجيل؛ لعلمه بأنه سينزل في أمته، ويحكم فيهم بشرعه، فأخذها عنه بلا واسطة، وإلى هذا أشار جماعة من العلماء.
قال: ورأيت عبارة السبكي نصها: إنما يحكم عيسى بشريعة نبينا بالقرآن والسنة، فترجح أن أخذه السنة بطريق المشافهة بلا واسطة، وبأنه إذا نزل يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأرض، كما صرح به في أحاديث فلا مانع من أن يأخذ عنه ما احتاج إليه من أحكام شريعته. واستدل السيوطي لكل واحد من هذه الأربع بما يطول ذكره، وذكر أنه اعترض عليه في الجواب الأول بلزوم أن القرآن مضمن في الكتب السابقة فأجاب بأنه لا مانع من ذلك، فقد دلت الأحاديث على ثبوت هذه اللازم، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إلى قوله: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} ؛ ثم ساق أدلة ذلك في نحو ورثة، ثم قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>