للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا قوال للخنا، ولو يمر إلى جنب السراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب الرعراع لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه مبشرًا ونذيرًا إلى أن قال: وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، وتوحيدًا لي وإيمانًا بي، وإخلاصًا لي، وتصديقًا لما جاءت به رسلي، وهم رعاة الشمس والقمر، طوبى لتلك القلوب والوجوه والأرواح التي أخلصت لي، ألهمهم التسبيح والتكبير والتحميد والتوحيد،


"ولا قوال" صيغة مبالغة، أي: كثير القول "للخنا" بخاء معجمة، ونون، مقصور قبيح الكلام، وهذا مع ما قبله يفيد أنه لا يصدر عنه شيء منه لا قليل ولا كثير؛ لأن الفحش بمعناه أو فعال هنا للنسبة كتما ونبال، أي: ليس بذي قول للخنا، "ولو يمر إلى جنب السراج" المصباح، والجمع سرج، ككتاب وكتب، "لم يطفئه" بفتح أوله "من سكينته" بفتح السين، وكسر الكاف مخففة.
وحكى عياض في المشارق كسر السين، وشد القاف، وبها قرئ شاذًا فعلية من السكون، أي: وقاره وطمأنينته، "ولو يمشي على القصب" كل نبات يكون ساقه أنابيب وكعوبًا، قاله في مختصر العين الواحدة قصبة "الرعراع" أي: الطويل؛ كما في القاموس: "لم يسمع من تحت قدميه" لأن مشيه بتؤدة، وهو نبي، "أبعثه مبشرًا" من صدقه بالجنة، "ونذيرًا" منذرًا من كذبه بالنار، وهذا كله من صفاته عليه الصلاة والسلام "إلى أن قال: وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر" تمييز، أي: من جهة الأمر والنهي، أو حال بمعنى أمرين وناهين، "وتوحيدًا لي وإيمانًا بي" كما قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ} الآية، "وإخلاصًا لي وتصديقًا لما جاءت به رسلي" والمنصوبات تمييزًا وأحوال، كما علم، "وهم رعاة الشمس والقمر" للعبادة والذكر، قال صلى الله عليه وسلم: "إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والأظلة لذكر الله تعالى". رواه الحاكم والطبراني، أي: يرصدون دخول الأوقات بها لأجل ذكر الله من الأذان للصلاة، ثم إقامتها، ولإيقاع الأوراد في أوقاتها المحبوبة.
وأخرج الطبراني والخطيب مرفوعًا: لو أقسمت لبررت أن أحب عباد الله إلى الله لرعاة الشمس والقمر، وإنهم ليعرفون يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله" وقال في عدهم: "ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة".
"طوبى" فرح وقرة عين، وشجرة في الجنة "لتلك القلوب" بإخلاصها في الإيمان والعبادة، "والوجوه والأرواح التي أخلصت لي" صفة، قامت مقام التعليل، "ألهمهم التسبيح والتكبير، والتحميد، والتوحيد" وثواب ذلك لا يعلمه إلا الله، وفي الحديث: "أفضل الذكر:

<<  <  ج: ص:  >  >>