للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المختار، لا يجزي بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح ويغفر، رحيمًا بالمؤمنين، يبكي للبهيمة المثقلة، ولليتيم في حجر الأرملة، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا متزين بالفحش.


وفي نسخة: المتحبب، بكسر الباء اسم فاعل من تحبب إليه تودد، وأظنها تصحيفًا، ولم يذكره المصنف في الأسماء، "المختار" اسم مفعول من الاختيار، وهو الاصطفاء؛ كما في الصحاح، وهما أيضًا معدودان في أسمائه؛ كما مر. "لا يجزي" بفتح أوله "بالسيئة" لأنه خلقه القرآن، وفيه جزاء سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح، فأجره على الله، وقال فاصفح عنهم، ولذا قال: "ولكن يعفو"، فلا يسيء لمن أساء عليه، "ويصفح" يعرض عنه إغضاء وتكرمًا، فلا يقول: لم فعلت كذا يا فلان، بل يقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا"، "ويغفر" يستر ويدفع بالتي هي أحسن وذكر الغفر بعد العفو تأكيد إن كانا بمعنى أو يعفو تارة ويستر أخرى، واستدرك، لأنه لا يلزم من عدم جزائها بمثلها الغفر، لجواز أن يكله إلى الله ويؤخره للآخرة، "رحيمًا بالمؤمنين" كما في الكتاب المبين: "يبكي للبهيمة المثقلة" لشدة شفقته على خلق الله، "ويبكي لليتيم في حجر الأرملة" ويقوم به، "ليس بفظ" سيئ الخلق جاف، "ولا غليظ" قاسي القلب، وهو موافق لقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} الآية، ولا يعارضه قوله تعالى: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} الآية، لأن النفي محمول على طبعه الذي جبل عليه، والأمر محمول على المعالجة، أو النفي بالنسبة للمؤمنين، والأمر بالنسبة للكفار والمنافقين، كما هو مصرح به في نفس الآية، "ولا صخاب" بصاد وسين روايتان، وهما لغتان، والصاد أشهر وأفصح، والسين لغة أثبتها الفراء وغيره، وضعفها الخليل وخاء معجمة ثقيلة، أي: لا يرفع صوته على الناس لسوء خلقه، ولا يكثر الصياح عليهم "في الأسواق" بل يلين جانبه، ويرفق بهم، وفيه ذم أهل السوق، الموصوفين بصفة مذمومة من صخب ولغط، وزيادة مدح وذم لما يتبايعونه وأيمان خانثة، ولذا ورد أنها شر البقاع لما يغلب على أهلها من الأحوال المذمومة
"ولا متزين" روي بزاي منقوطة وتحتية ونون، وروي بدال مهملة من الدين، وروي متزي، بزاي بلا نون من الزي، وهو اللباس والهيئة، أي: لا يتلبس "بالفحش" أو يتحمل أو يباهي وهو القبح، والقول السيئ، ولا يرد إبهام ظاهره؛ أنه قد يأتي به غيره متزين به؛ لأنه لا مفهوم له، لجريه على عادة أرباب الفحش في المباهاة به.
وقيل: التزين بمعنى الاتصاف على التجريد، أو المراد؛ أنه لا يرى الفحش زينة وهذا من علاماته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نشأ بين قوم يتزينون بالفواحش، كالقتل والطواف عراة، فأتى بخلافهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>