للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن وهب بن منبه قال: أوحى الله إلى سعيا: إني باعث نبيًا أميًا، أفتح به آذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا، وأعينًا عميًا، مولده بمكة ومهاجره طيبة، وملكه بالشام، عبدي المتوكل المصطفى المرفوع الحبيب المنتخب


ولا يرد اجتماعه به ليلة الإسراء في بيت المقدس، وفي السماوات له مرار عديدة في أمر الصلوات؛ لأن المراد الاجتماع المتعارف في الدنيا بلا موت.
"وعن وهب بن منبه" بضم الميم، وفتح النون، وكسر الباء، ابن كامل اليماني، أبي عبد الله الأنباري، التابعي، الثقة من رجال الصحيحين، مات سنة بضع عشرة ومائة، "قال: أوحى الله تعالى إلى سعيا" بسين مهملة وإعجامها لغة ابن أبي أمصيا نبي بشر بعيسى؛ كما في القاموس: "إني باعث" إلى جميع العالمين "نبيًا أميًا" لا يقرأ ولا يكتب "أفتح به آذانًا صمًا" بضم الصاد، وشد الميم جمع صماء كعمى وعمياء، لا تسمع، وفتحها إزالته مجاز، استعير الصمم لعدم الإذعان للحق والانتفاع به؛ لأنها لما لم تسمع السمع المعتد به، نزل منزلة الصمم، فلما أرشدهم صلى الله عليه وسلم للحق، وكشف عنهم الحجب المظلمة، وانقادوا مذعنين، كانوا كمن زال صممه، "وقلوبًا" جمع قلب العضو المعروف: ويراد به العقل، وبه فسر، وهو الظاهر؛ لقوله: "غلفًا" بضم المعجمة، وسكون اللام: جمع أغلف، أي: مغطاة في أكنة، ومعناه: أن قلوبهم كانت محجوبة عن الهداية، فأزال الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم حجابها، وكشف غطاءها حتى اهتدت، "وأعينا" جمع قلة لعين، عدل عن عيونًا جمع كثرة، وإن كان أنسب هنا؛ لأن جمع القلة قد يكون للكثرة، كعكسه، أو لعده قليلا بالنسبة لقدرة الله، أو لأنها كانت قليلة في الابتداء "عميًا" جمع عمياء، وهو عدم البصر عما هو من شأنه استعير لعدم انتفاعهم بها فهي كالمفقودة، ولا ينافيه قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ} الآية؛ لأنه فيمن طبع على قلبه، وهذا في غيره: "مولده" يكون "بمكة، ومهاجره" أي: هجرته، أي مكان هجرته "طيبة" المدينة المنورة، "وملكه"، أي ظهوره "بالشام" لاشتماله على الأمراء الذين يتصرفون في الدنيا تصرف الملوك بخلاف الحجاز، وإن كان مبدؤه فيهم، لكنهم لم يكونوا كالملوك، بل كانوا حريصين على اتباع خلافة النبوة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الخلافة بالمدينة، والملك بالشام" رواه البيهقي، أي: خلافة النبوة التي ذكرها بقوله الخلافة بعدي ثلاثون، ثم تكون ملكًا عضودًا "عبدي المتوكل" الذي يكل أمره إلى الله، فإذا أمره بشيء نهض بلا جزع "المصطفى" أي: المختار من أشهر أسمائه، وفي أحاديث: إن الله اصطفاه، " المرفوع" الدرجات على جميع الخلائق، "الحبيب" فعيل من المحبة بمعنى مفعول؛ لأنه محبوب الله، أو بمعنى فاعل، لأنه محب له تعالى، "المنتخب" بالخاء المعجمة، أو بالجيم، كلاهما بمعنى المختار، وهما من أسمائه عليه السلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>