للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويطهرون أطرافهم، صائمون بالنهار، رهبان بالليل، أقبل منهم اليسير وأدخلهم الجنة بشهادة أن لا إله إلا الله، قال: اجعلني نبي تلك الأمة، قال: نبيها منها، قال: اجعلني من أمة ذلك النبي، قال: استقدمت واستأخر، ولكن سأجمع بينك وبينه في دار الجلال".


إلى أنصاف سوقها"، ولذا عد من خصائص هذه الأمة، وتوقف فيه، بأنه ليس فيه أن الأمم الماضية لم تكن تأتزر، ولا تثبت الخصوصية بالاحتمال، ويدفع بأن المتبادر من وصفهم بذلك الاختصاص، ولا يلزم النص على لفظ الخصوصية.
نعم، يحتمل أن المراد بشد الأزر الاجتهاد في العبادة، بحيث يقومون لها بنشاط وفراغ قلب، نحو ما قيل في خبر: "كان إذا دخل العشر الأخير من رمضان شد مئزره" ويكون وجه الاختصاص إتيانهم بها على وجه أكمل من الأمم السابقة، "ويطهرون أطرافهم" أي: يتوضئون، "صائمون بالنهار، رهبان" عباد "بالليل، أقبل منهم" العمل "اليسير" وأثيبهم عليه الثواب الكثير رحمة منه بهم.
روى مالك، وأحمد، والبخاري وغيرهم عن ابن عمر مرفوعًا: "إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة، فعملوا بها، حتى إذا انتصف النهار، عجزوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا إلى العصر، ثم عجزوا فأعطوا قيراطًا، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس، فأعطينا قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتاب: ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطًا قيراطًا، ونحن أكثر عملا، قال: هل ظلمتكم من أجركم شيء؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء".
قال السيوطي: والمراد تشبيه من تقدم بأول النهار إلى الظهر والعصر في كثرة العمل الشاق والتكليف، وتشبيه هذه الأمة بما بين العصر والليل في قلة ذلك وتخفيفه، وليس المراد طول الزمن وقصره، إذ مدة هذه الأمة أول من مدة أهل الإنجيل.
قال إمام الحرمين: الأحكام لا تؤخذ من الأحاديث التي لضرب الأمثال، انتهى.
"وأدخلهم الجنة بشهادة أن لا إله إلا الله" يعني: وأن محمدًا رسول الله، فاكتفى بأحدهما عن الأخرى، لكونهما صارا كالشيء الواحد.
"قال" موسى: "اجعلني نبي تلك الأمة" فإن قيل: كيف ساغ سؤال موسى عليه السلام ذلك مع إخبار الله تعالى أنهم أمة أحمد، قلت: "قال نبيها منها، قال: اجعلني من أمة ذلك النبي، قال: استقدمت" في الوجود الزماني، "واستأخر" أحمد فيه، بحيث كان خاتم النبيين، فلا يمكن أن تكون من أمته. "ولكن سأجمع بينك وبينه في دار الجلال" يوم القيامة في الجنة،

<<  <  ج: ص:  >  >>