للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتبت اسمه مع اسمي في العرش قبل أن أخلق السماوات والأرض، إن الجنة محرمة على جميع خلقي حتى يدخلها هو وأمته، قال: ومن أمته؟ قال: الحمادون، يحمدون صعودًا وهبوطًا وعلى كل حال, يشدون أوساطهم


بل هو الأكرم، وكان الظاهر في جواب السؤال أن يقال، هو: أحمد بن عبد الله الهاشمي، من ذرية عمك إسماعيل بن إبراهيم، مثلا ليتميز عند السائل عن غيره، لكنه عدل عن ذلك إلى ما يفهم منه الجواب زيادة في تبجيله؛ كما أشار إليه بقوله: "كتبت اسمه مع اسمي في العرش" أي: عليه "قبل أن أخلق السماوات والأرض" حين خلقت العرش فاضطرب، وهو أول المخلوقات بعد النور المحمدي.
روى أبو الشيخ والحاكم، وصححه، عن ابن عباس: "أوحى الله إلى عيسى آمن بمحمد ومر أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم ولا الجنة، ولا النار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب، فكتبت عليه لا إله إلا الله، محمد رسول الله فسكن". وهذا لا يقال رأيًا فحكمه الرفع.
"إن الجنة" دار الثواب، "محرمة" ممنوعة "على جميع خلقي حتى يدخلها هو وأمته" حكم على الجملة، فلا ينافي أن الأنبياء تدخلها قبل هذه الأمة؛ كما رواه ابن ماجه، وللطبراني والدارقطني، عن عمر مرفوعًا: "إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها وحرمت على الأمم حتى تدخلا أمتي"، "قال: ومن أمته؟ قال: الحمادون" صيغة مبالغة، أي الكثيرون الحمد، وتعريف الطرفين يفيد الحصر، فكثرة الحمد مختصة بهم، وهو بالنظر إلى الغالب، أو المجموع، أو الموفقين منهم، أو هذا من شأنهم، وكأنه قيل: ما سبب وصفهم بالمبالغة، فأجاب بقوله: "يحمدون" على الاستئناف البياني، جوابًا لسؤال اقتضته الأولى، ولذا ترك العاطف "صعودًا" إلى المحل العالي "وهبوطًا" إلى الأسفل. وقال ابن القيم: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا علو الثنايا كبروا، وإذا هبطوا سبحوا، فوضعت الصلاة على ذلك، "وعلى كل حال" من قيام، وقعود، واضطجاع، وحضر، وسفر، وسراء، وهو سعة العيش والسرور، وضراء، كالأمراض والمصائب، فهم راضون عن الله في كل حال.
وروى النسائي عن ابن عباس مرفوعًا: "المؤمن بخير على كل حال تنزع نفسه من بين جنبيه، وهو يحمد الله" ولما أحس معاذ بالموت، قال: مرحبًا بحبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، الحمد لله، والحمد لا يلزم كونه في مقابلة نعمة كالشكر، فلا يحتاج الحمد في الضراء للتوجيه بمنفعة الثواب عليها، "ويشدون أوساطهم" بالأزر، كما ثبت في هذا الحديث المرفوع، ومثله نقل عن التوراة والإنجيل، وللديلمي مرفوعًا: "ائتزروا، كما رأيت الملائكة تأتزر عند ربها

<<  <  ج: ص:  >  >>