للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجوبة:

أحدها: أنها منسوخة، روي ذلك عن ابن عباس، نسخها قوله تعالى: {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: ٢١] ، فجعل الولد الطفل في ميزان أبيه، ويشفع الله تعالى الآباء في الأبناء، والأبناء في الآباء، بدليل قوله تعالى: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: ١١] .


"أجوبة" فالظرفية هنا اعتبارية، فلا يقال كان المتبادر فعنها، وليس من معاني عن في، فلا ترد بمعناها، فقد ذكر صاحب المغني جملة ما ذكر لعن عشرة معان ليس فيه ورودها بمعنى في، "أحدها: أنها منسوخة، روى ذلك عن ابن عباس نسخها، قوله تعالى" {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ} معطوف على آمنوا {ذُرِّيَّتُهُمْ} الكبار والصغار {بِإِيمَانٍ} من الكبار ومن الآباء في الصغار، ثم الذين آمنوا مبتدأ، والخبر قوله: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُْ} الآية، المذكورين في الجنة، فيكونون في درجتهم وإن لم يعملوا بعملهم تكرمة للآباء باجتماع الأولاد إليهم، "فجعل الولد الطفل في ميزان أبيه" أي: في درجته أو في دخول الجنة، "ويشفع الله تعالى للآباء في الأبناء، والأبناء في الآباء" أي: يأذن لكل منهم في الشفاعة فيشفع، وإذا شفع قبل شفاعته، "بدليل قوله تعالى: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} مبتدأ، خبره {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} الآية، في الدنيا والآخرة، فظان أن ابنه أنفع له فيعطيه الميراث فيكون الأب أنفع وبالعكس، وإنما العالم هو الله تعالى، ففرض لكم الميراث.
أخرج ابن مردويه، وصححه الضياء المقدسي، عن ابن عباس، رفعه: "إذا دخل الرجل الجنة، سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك أو عملك، فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بالإلحاق به"، وأخرجه الطبراني، والبزار، وأبو نعيم، عن ابن عباس مرفوعًا، بلفظ: "ذرية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه"، ثم قرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا} الآية، إلى قوله: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} ، قال: ما نقصنا الآباء مما أعطينا البنين هذا، وقد ضعف ابن عطية هذا القول بالنسخ، بأن قوله: {وَأَنْ لَيَسَ} الآية خبر، والخبر لا ينسخ؛ ولأن شروط النسخ ليس هنا، قال: اللهم إلا أن يتجوز في لفظ النسخ، وقال ابن القيم في كتاب الروح: ذهبت طائفة إلى أنها منسوخة.
وروي عن ابن عباس، وهو ضعيف، ولا يرفع حكم الآية بمجرد قول ابن عباس ولا غيره أنها منسوخة، قال: والجمع بين الآيتين غير متعذر؛ كذا قال: وفيه أنه إن صح ما روي عن ابن عباس، كان حكمه الرفع؛ لأنه لا مجال للرأي فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>