للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن عيسى عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي جعلني كلمته وجعلني مثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون، وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وجعلني أخلق من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص، وأحيي الموتى بإذن الله، ورفعني وطهرني وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان علينا سبيل.

قال: وإن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- على ربه فقال: كلكم أثنى على ربه وأنا أثني على ربي: فأٌول الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيرًا


"ثم إن عيسى عليه السلام أثنى على ربه، فقال: الحمد الله الذي جعلني كلمته"، أي: مكونًا بها، وهي قوله تعالى: كن من غير واسطة أب ولا نطفة، "وجعلني مثل آدم"، كشأنه في خلقه من غير أب، وهو من تشبيه الغريب بالأغرب، ليكون أقطع للخصم، وأوقع في النفس "خلقه"، أي: آدم، أي: قالبه "من تراب، ثم قال له: كن" بشرًا، "فيكون"، أي: فكان، وكذلك عيسى قاله له: كن من غير أب، فكان، والجملة مفسرة للتمثيل، مبينة لما به الشبه، "وعلمني الكتاب" الخط، أو جنس الكتب الإلهية، "والحكمة"، أي: العلوم وتهذيب الأخلاق، "والتوراة" النازلة قبله على موسى، "والإنجيل" المنزل على عيسى، "وجعلني أخلق"، أصور "من الطين كهيئة الطير"، مثل صورته والكاف اسم مفعول، "فأنفخ فيه"، الضمير للكاف، أو للطين، أو للطير، وهكذا بالتذكير في آل عمرا، وبالتأنيث في المائدة، عائدًا للهيئة، وهنو تفنن على عدة العرب في التفنن في الكلام، "فيكون طيرًا بإذن الله"، أي: بإرادته، "وجعلني أبرئ": أشفي "الأكمه" الذي ولد أعمى: "والأبرص": وخصا؛ لأنهما داء أعياء، وكان بعثه في زمن الطب، فأبرأ في يوم خمسين ألفًا بالدعاء، بشرط الإيمان، "وأحيي الموتى بإذن الله"، بإرادته، فأحيا عاذر صديقا له، وابن العجوز، وابن العاشر، فعاشوا وولد لهم، وسام بن نوح، ومات في الحال، "ورفعني" إليه من الدنيا بلا موت، "وطهرني": بعدني من الذين كفروا، "وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم" المطرود، "فلم يكن للشيطان علينا سبيل": قال -صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد: فيستهل صارخًا إلا مريم وابنها"، رواه الشيخان.
"قال: وإن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أثنى على ربه، فقال: "كلكم" يا هؤلاء الذين أثنوا، "أثنى على ربه، وأنا أثني على ربي، فأقول: الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين" المسلمين، لسعادتهم في الدارين في معاشهم ومعادهم، والكافرين، بأمنهم من الخسف، والمسخ والاستئصال، "وكافة للناس"، بيان لعموم رسالته، فهو إما صفة مصدر، أي: إرساله كافة، أي:

<<  <  ج: ص:  >  >>