للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ونذيرًا، وأنزل علي الفرقان، فيه تبيان كل شيء، وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس، وجعل أمتي أمة وسطًا، وجعل أمتي هم الأولون والآخرون وشرح لي صدري، ووضع عني وزري، ورفع لي ذكري، وجعلني فاتحًا وخاتمًا".


عامة كفتهم عن الخروج منها، فهو مفعول مطلق لأرسلني، أو اسم فاعل حال من الياء، أي: حال كوني كافا للناس، فالتاء للمبالغة وكونه حالًا من الناس، مقدمًا على صاحبها المجرور قول ضعيف، "بشيرًا"، أي: مبشرؤًا بالخير لمن آمن وأتقى، "ونذيرًا": منذرًا، محذرًا من كفر وعصى، وهو حال مترادفة، أو متداخلة حمدًا، لا على ما أنعم عليه، ثم ثنى بماله من المنافع والفوائد، وبعبارة كافة، أي: جامعًا في الإنذار والإبلاغ من الكف، بمعنى الجمع، ومنه كف الثواب، وهو جمعه بالخياطة، والهاء للمبالغة، كعلامة ونحوها، وقيل: معناه مانعًا ورادعًا من الكفر، وسائر المعاصي من الكف، بمعنى المنع، والهاء للمبالغة أيضًا، ونصب كافة على الوجهين حال من المفعول في أرسلني، "وأنزل علي الفرقان": من أسماء القرآن؛ لأنه فرق بين الحق والباطل، وهذا عام لغة، وعليه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} [الأنبياء: ٤٨] ، ثم خص عرفًا بالقرآن، فصار علمًا له بالغلبة، وأصله تبارك الذي نزل الفرقان على عبده، وهو مصدر بمعنى الفارق، أو المفرق آياته، أو إنزاله "فيه تبيان كل شيء": بكسر التاء البيان الشافي، كما قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] ، أي: يحتاج إليه من الأمور المهمة الشرعية، تفصيلًا في بعض، وإجمالًا في بعض، وأحاله على الرسول عغليه السلام في أمره باتباعه بقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] ، وعلى الإجماع بقوله، ويتبع غير سبيل المؤمنين وهو شامل للقياس والاجتهاد، كما في الكشاف وغيره.
"وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس" كم في الكتاب العزيز: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} [آل عمران: ١١٠] ، "وجعل أمتي أمة وسطًا"، أي: خيارًا عدولًا، جامعين بين العمل والعلم، وسائر الصفات التي بين التفريط والإفراط.
"وجعل أمتي هم الأولون" في دخول الجنة، "والآخرون" في الوجود، وهم ضمير مبتدأ مفيد للحصر، لا ضمير فصل؛ لأنه لو كان كذلك لقيل: الأولين، "وشرح لي صدري": وسعه بالعلم والإيمان والحكمة واليقين: بحيث لا أحزن على أمر من أمور الدنيا، أو شقه وملأه بالأنوار، كما مر، "ووضع عني وزري": طهر قلبي من حظ الشيطان، وعصمني فلا أرتكب ذنبًا، ولذا قال: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [القلم: ٢] ، فسوى بينهما لعدم وقوعهما، أو خفف أعباء النبوة والتبليغ بإفاضة منته علي، والجملتان في غاية التناسب، "ورفع لي ذكري": جعلني مذكورًا في الملأ الأعلى، وجعل اسمي طراز الجنان، ومقرونا باسمه تعالى على كل

<<  <  ج: ص:  >  >>