"وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي: وإذا فيها"، أي: السماء السابعة، "عين تجري يقال لها: السلسبيل، فينشق منها نهران: أحدهما الكوثر، والآخر يقال له: نهر الرحمة". قال الحافظ: فيمكن أن يفسر بهما النهران الباطنان، المذكوران، في الحديث، وكذا روي عن مقاتل، قال: الباطنان السلسبيل والكوثر. انتهى، وفيه مسامحة؛ لأن ما روي عن مقاتل صريح في أن أحد النهرين السلسبيل، والآخر الكوثر. وحديث أبي سعيد صريح في أن السلسبيل هو الأصل، ويخرج منه نهران، أحدهما الكوثر، فهو فرع منه لا قسيم له، فحق العبارة. وروي عن مقاتل: بإسقاط لفظ كذا، ويكون مقابلًا لتفسيرهما بما في حديث أبي سعيد، ثم قال الحافظ عقب ما نقلته عنه: وأما الحديث الذي أخرجه مسلم بلفظ: "سيحان وجيحان، والنيل والفرات، من أنهار الجنة"، فلا يغاير هذا؛ لأن المراد به أن في الأرض أربعة أنهار، أصلها من الجنة، وحيئذ لم يثبت لسيحان وجيحان أنهما ينبعان من أصل صدرة المنتهى، فيمتاز النيل والفرات عليهما بذلك، وأما الباطنان، فهما غير سيحان وجيحان. قال النووي في هذا الحديث: إن أصل النيل والفرات من الجنة، وأنهما يخرجان من أصل السدرة، ثم يسيران حيث شاء الله، ثم ينزلان إلى الأرض، ثم يسيران فيها، ثم يخرجان منها، وهذا لا يمنعه العقل، وقد شهد به ظاهر الخبر فليعتمد، وقول عياض الحديث يدل على أن أصل سدرة المنتهى في الأرض، لقوله: "إن النيل والفرات يخرجان من أصلها"، وهما يخرجان من الأرض، فليزم منه أن أصل السدرة في الأرض متعقب؛ لأن خروجهما من أصلها غير خروجهما بالنبع من الأرض، والحاصل أن أصلهما من الجنة، ويجران أولًا من أصلها، ثم يسيران إلى أن