"فإن قلت: من أين علم أن الرسول هنا، المراد به محمد صلى الله عليه وسلم، فالجواب من وجوه" ثلاثة. "أحدها: إجماع المفسرين وهو حجة" قوية. "الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام" في حديث أخرجه الطيالسي والحارث والديلمي وابن عساكر: "أنا دعوة أبي إبراهيم" أي: صاحب دعوته، إذ لا يصح الإخبار بالمصدر، "وبشارة" أخي "عيسى" وفي رواية ابن عساكر: وكان آخر من بشر بي عيسى بن مريم، وفائدة إخبار المصطفى بذلك بعد علمه ثبوت وقوعه، مقدرًا له بذلك في الأزل، التنويه بشرفه وكونه مطلوب الوجود، تاليًا للآيات، معلمًا للكتاب والحكمة، مطهرًا للناس من الشرك، معروفًا عند جميع الأنبياء، "قالوا": ليس مراده التبري، بل الحكاية عن كل العلماء، "وأراد بالدعوة هذه الآية" وخصه؛ لأنه المبتدئ كما مر، "وبشارة عيسى هي" هكذا في النسخ الصحيحة خبر بشارة، وفي نسخة سقيمة وهي بزيادة واو، ولا يحس عطف بشارة على قوله هذه الآية؛ لأن المعنى عليه يصير حاصله أراد ببشارة عيسى ولا يخفى ما فيه "ما ذكر في سورة الصف من قوله تعالى: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: ٦] سماه به؛ لأنه مسمى به في الإنجيل؛ ولأنه أبلغ من محمد، بشر عيسى قومه بذلك، ليؤمنوا به عند مجيئه، أو ليكون معجزة لعيسى عند ظهوره. "الثالث: أن إبراهيم إنما دعا بهذا الدعاء بمكة لذريته الذين كانوا بها وبما حولها، ولم يبعث الله تعالى إلى من بمكة" من ذرية إبراهيم وإسماعيل "إلا محمدًا صلى الله عليه وسلم" فتعين أنه المراد،